لا تتشدقوا.. ولن نلومكم
حينما تنشر هذه السطور ستكون كل الشركات قد أعلنت عن قوائمها السنوية وعن أرباح الربع الرابع ما عدا بعض الشركات التي تعودت أن تتأخر في نشر قوائمها المالية والتي أنصحها بأن تضع في ميزانياتها السنوية وموازناتها المتوقعة مخصصا باسم "غرامات هيئة السوق المالية".
والملاحظ أن معظم الشركات أعلن إما عن خسائر أو عن انخفاض في الأرباح للربع الرابع. والملاحظ أيضا أن الأزمة المالية العالمية كانت حاضرة في الإعلانات وفي التصريحات الإعلامية لمسؤولي الشركات. فالأزمة – كما يشير اسمها - عالمية و(حيل الله قوي) والموضوع قضاء وقدر. والأزمة أصبحت مثل "مسح السبورة". ومسح السبورة لمن لا يعرفه هو تكتيك استراتيجي قديم استخدمه بعض الطلبة للاعتذار عن حل الواجب. والمستثمرون والمتداولون غاضبون والبعض لم يقتنع بتلك الحجة ويقول إنه لا رابط بين أداء الشركات وبين الأزمة المالية، وإن العلاقة بينهما مثل العلاقة بين جورج بوش وبين سيبويه، وإن الأزمة المالية بريئة من نتائج الشركات براءة الذئب من دم يوسف حين قال إخوته "وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب" كما اتهمت الأزمة بأكل أرباح الشركات.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فيوسف - عليه السلام - قد أشار إلى الدورات الاقتصادية وإلى الانكماشات والتوسعات حين قال لقومه (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوه فِي سُنْبُلِه إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيه يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيه يَعْصِرُونَ) والآية الكريمة تتحدث عن الدورات الاقتصادية الحاضرة اليوم في كل كتب الاقتصاد القديمة والمعاصرة من كتاب "ثروة الأمم" للسيد آدم سميث وحتى كتاب "إفلاس الأمم" الذي اقترح أن يكتب اليوم بمناسبة الأزمة العالمية. والاقتصاد السعودي كان ومن قرابة السنوات السبع في انتعاش. وكانت الشركات تربح وتتوسع. وفي أوقات الانتعاش الاقتصادي فإن الشركات "إما أن تربح أو أن تربح أكثر" كما يقول روبرت ليسي في كتابه "المملكة العربية السعودية" في حديثه عن الاقتصاد السعودي إبان السبعينيات. غير أن بعض الشركات كان لديه مقدرة عجيبة على تحقيق خسائر حتى في وقت الانتعاش. عموما نعود للموضوع الأساسي.
فكما أن الإعلانات اليوم بررت النتائج غير الجيدة بالأزمة المالية والدورات الاقتصادية، فالأداء الجيد وقت الانتعاش الاقتصادي في الأعوام السابقة لم يكن دائما يعلل بتحسن الاقتصاد، بل كان يرجع ذلك إلى ذكاء الإدارة وحنكها وحسن إدارتها. وكانت تصريحات مسؤولي بعض الشركات مليئة بعبارات مثل "النظرة الاستراتيجية للشركة" و"السياسة الحكيمة للشركة" و"الرؤية الثاقبة للشركة" وكلمة "الشركة" المقصود بها إدارة الشركة وربما لولا الحياء لكان نص العبارة "النظرة الاستراتيجية لإدارة الشركة ممثلة بي أنا فلان بن فلان".
وإحقاقا للحق فالأزمة من الطبيعي أن تؤثر في نتائج الشركات، فلا نتوقع من إدارات شركاتنا العزيزة أن يكون لديهم الإدراك للأزمة المالية قبل وقوعها. فقد ذهبت ضحية الأزمة شركات كبرى في حجم "ليمان بروذرز" و"إيه آي جي". ولكن كل ما نرجوه منهم هو التالي: إذا كانت الأزمة هي سبب سوء الأداء فإن النتائج الماضية لم تكن لتكون لولا الانتعاش الاقتصادي في بلدنا العزيز وفي العالم ككل. ولذا فلن نلومكم ولكن لا تتشدقوا.