الشراكة الحقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص .. حقيقة أم وهم?
يكاد يفقد صوابه وهو يرى العقد التي توضع في المنشار أمام مشاريعه الاستثمارية من قبل العاملين في الأجهزة الحكومية المنظمة والمرخصة والمراقبة حتى أيقن أن مقولة الشراكة الحقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة هي للاستهلاك الإعلامي لا غير، وأن الواقع يقول إن على رجال الأعمال السعوديين أن يعلموا أن التشريعات والأنظمة واللوائح والإجراءات هي لحماية العاملين في الأجهزة الحكومية المنظمة والمرخصة والمراقبة من الوقوع في الخطأ، وأنه لا دخل لها بتاتا بتحفيز المستثمرين لضخ الاستثمارات في الأسواق المحلية.
حاورني لإيجاد حل لأزمته التي لا تعقل خاصة ونحن ندعو المستثمر الأجنبي للاستثمار في بلادنا والذي نافس المواطن في المشاريع ذات رأس المال المعياري، فقال لي يجب أن أبحث عن معارف ونافذين يصلون للمسؤولين لتعجيل المعاملات وتطوير المحفزات، ثم تراجع قائلا هؤلاء قد يطلبون أموالا وأدخل في شبهة الرشوة "لعن الراشي والمرتشي والرائش"، ثم قال سأرفع بهم شكوى إلى من هو أعلى منهم, وتراجع أيضا لأن الشكوى ستعود لهم ويتخذون موقفا سلبيا فيعطلون أعمالي، ثم قال بل سأخاطبهم مباشرة بالوضع، وتراجع خائفا من تشكل موقف ذهني سلبي في عقولهم على اعتبار أنه يعلمهم شغلهم وهم أدرى به، وللعلم فقد كنت مستمعا جيدا لأني لست مستثمرا ولا أفكر في هذا النوع من الخطط.
ولكني من باب الخروج عن التفكير المألوف قلت له: لماذا لا تفكر بأسلوب آخر؟ – وطبعا لا أقصد الاستثمار خارج البلاد – نعم لماذا لا تفكر في التحرك على الغرفة التجارية والصناعية ولجانها؟ لماذا لا تتحرك مع إخوانك من المستثمرين على وسائل الإعلام (صناع الفكر والرأي وربما القرار أيضا)؟، لماذا لا تتحركون على مجلس الشورى أيضا؟ بل لماذا لا ترفعون برقيات لولاة الأمر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وبالطبع يجب أن يكون التحرك لتعزيز المحفزات ومعالجة العوائق القطاعية وليست الشخصية، فلا شك أن في الحركة بركة، وأن الجميع سيتفاعل معكم إيجابا, فأنتم اليوم كقطاع خاص معقود عليكم الأمل في تنويع مصادر الدخل وتوفير الفرص الاستثمارية والوظيفية, فضلا عن توفير السلع والخدمات المتناولة والجيدة التي تلبي الطلبات المتنامية بتنامي السكان.
لا أعلم ماذا فعل صاحبي وأي طرق الحلول سلك؟ ولكن ما أعرفه أن العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص ليست علاقة شراكة كما ينبغي أن تكون عليه بما يجعلها شراكة فاعلة في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة والشاملة والمتوازنة، كما أعرف أن الغرف التجارية لا يوجد لديها من الموارد المالية والبشرية والهياكل الإدارية الفاعلة القادرة على تقديم مقترحات علاجية قائمة على دراسات ميدانية مستفيضة وحديثة وشاملة ودقيقة، حيث لا يتعدى ما تقدمه مجموعة أفكار تخرج من أفواه العاملين في لجان الغرفة تصطدم رغم بساطتها أو لنقل ضحالتها بأمانات مجالس الغرف التي لاهم لها سوى ضبط الموازنة أكثر من تحقيق الأهداف.
إذن نحن أمام رؤية واضحة أقرها القطاعان الحكومي والخاص تقول بضرورة الشراكة الحقيقية بما يجعل الأسواق بجميع أنواعها نشطة تسهم في تنويع مصادر الدخل وتقينا شر تقلبات أسعار النفط، كما تسهم مساهمة كبرى في تحقيق الأهداف التنموية دون التأثر بموازنات الدولة، ولكن وللحقيقة لا توجد استراتيجية لتحقيق الرؤية، بل إنه لا توجد جهة حكومية تبنت تحقيق هذه الرؤية وشرعت في تكوين قوة دفع جبارة تمكننا من تحقيقها في أقصر وقت ممكن، وهو ما يجعل تحقيق هذه الشراكة - التي لا نعرف لها مقياسا ولا معيارا يستخدم كمرجعية لمدى التقدم في هذه الشراكة لغاية الآن – تسير على التواكل, ولا أقول على البركة، لأن البركة تستدعي التوكل باتخاذ الأسباب وسؤال الله التوفيق.
مشكلة الشراكة بين القطاعين العام والخاص قضية محورية، ويجب ألا تترك هكذا للظروف والصدف والوقت، ذلك أن الشراكة تعني الاستدامة، وهو ما يعني قدرة الاقتصاد على توفير السلع والخدمات بشكل مستدام دون التأثر بموازنات الدولة، وهو حلم الجميع, مسؤولين ومواطنين، وإذا لا تخرج علينا جهة تتبنى هذه الشراكة كمفهوم فكري وكتطبيق عملي نراه واقعا يلغي جميع أشكال التذمر والإحباط الذي يعانيه المستثمرون من المواطنين السعوديين، أقول فإن موضوع الشراكة هذا يبقى شعارا إعلاميا يرفع ضغط رجال الأعمال عندما يقرأونه في الصحف ويرون معوقات الشراكة عند مراجعة الدوائر الحكومية للحصول على التراخيص اللازمة لاستثماراتهم.
آمل أن تأخذ وزارة التخطيط والاقتصاد على عاتقها تحقيق مفهوم الشراكة الحقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص بالتعاون مع مجلس الغرف التجارية والصناعية والهيئة العامة للاستثمار، ولا شك أن الشراكة في تحقيق الأهداف التنموية تستدعي الشراكة في التخطيط وتطوير التنظيمات والمحفزات ومعالجة العوائق بعقلية تقول إن خسارة الفرص لا تقل خطرا عن وقوع الخسارة.