رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السيولة والتمويل .. أين المشكلة؟

الجميع يتحدث اليوم عن مشكلة "سيولة" عميقة أدت إلى شح في "التمويل" الذي هو عصب الحركة الاقتصادية في العالم! مما أدخل العالم اليوم في متاهة، لا أحد يعرف كيفية الخروج منها! فقد وجد العالم أن السيولة خلال الـ 30 سنة الماضية كانت تأتي من التمويل بشكل رئيسي وليس جزئيا. بمعنى أن فكرة توفير المدخرات لتمويل المشاريع لم تعد مجدية. وعليه، عندما توقف التمويل لم تعد هناك سيولة. وهو عكس المبادئ الاقتصادية التي درست لنا! وهذا يوضح بجلاء الفلسفة التي قامت عليها الرأسمالية خلال عقودها الأخيرة، التي جعلت الاقتصاد "المالي" غير الحقيقي يشكل 40 في المائة من أرباح الشركات في أمريكا وحدها. والاقتصاد غير الحقيقي يعني ببساطة شديدة صناعة المال من المال دون أن تكون هناك إضافة حقيقية للاقتصاد وتوظيفه في الإنتاج والخدمات المقدمة داخل الاقتصاد.
وبالتالي جاءت الأزمة المالية بداية من الاقتصاد غير الحقيقي وانتقلت بشكل سريع للاقتصاد الحقيقي ولا تزال تتوسع اليوم وقد تكون تبعاتها على الاقتصادات الحقيقية أكثر مما يتوقعه أفضل المتشائمين. ولا أعتقد أن هناك حلولا إلا إذا تمت مناقشة المبادئ التي تقوم عليها الفلسفة الاقتصادية اليوم بشكل ثوري حقيقي، بمعنى عدم معالجة المشكلة بأدوات مسببات المشكلة نفسها كما يحاول البعض. ومن قرأ أو سمع المناقشات التي دارت وتدور كل يوم وبالذات خلال منتدى دافوس الذي عقد في 27 كانون الثاني (يناير)، يستطيع معرفة حجم المشكلة وحجم التخبط في معالجتها!!!

هذا على المستوى العالمي، أما على المستوى الخليجي فإنها مشكلة ذات تشعبات كثيرة ولا يمكن عملياً مناقشة المشكلة على المستوى الخليجي باعتبارها مشكلة واحدة وذات طبيعة موحدة. هذا أمر غير صحيح، ويجب علينا معرفة تركيبة اقتصاديات كل بلد خليجي على حدة لتشخيص المشكلة. وإذا ما أخذنا المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات على سبيل المثال لا الحصر نجد أن كل بلد لديه وضعية اقتصادية مختلفة تماماً عن البلد الآخر توضح سبب شح السيولة بشكل واضح.
في الإمارات العربية المتحدة نجد أن المشكلة جاءت بالدرجة الأولى من أن التمويل كان مركزا على قطاع واحد تقريباً وهو القطاع العقاري. حتى أن هناك حالات كثيرة يتم فيها تمويل عقارات بهدف المضاربات على الورق، بمعنى شراء مخطط عقاري، برج أو مشروع عقاري مقترح عن طريق التسهيلات المصرفية وبيع العقار على آخر عن طريق التمويل أيضا (لا يملك سيولة الاستثمار أصلا) وثالث ورابع، وهكذا دواليك. مما أوجد طفرة سيولة مصطنعة بسبب تمويل موجه إلى مشاريع لم تنفذ وقد لا تنفذ! أما في الكويت فالصورة مختلفة، حيث يتشابك الاقتصاد الكويتي عبر شركات الاستثمار فيها، التي عملها الرئيس صناعة المال من المال دون مرورها بالاقتصاد الحقيقي. وكلا البلدين تعاني فقدان العمق الاقتصادي الحقيقي مشكلة الحجم.
أما اقتصاد المملكة وآليات التمويل، فتختلف تماماً، فليست قائمة لا على العقار ولا على صناعة المال بالمال، وللتدليل وحسب إحصائيات مؤسسة النقد في تقريرها السنوي الثالث والأربعين، نجد أن حجم التمويل للقطاع الخاص على مستوى المملكة بلغ نحو 468.2 مليار ريال فقط (حجم التسهيلات في الإمارات أعلى من المملكة) منها 63 في المائة موجة إلى القطاع التجاري (التجزئة) وقطاع الأفراد، وهي تعنى بتوفير الحاجات الاستهلاكية بالدرجة الأولى سواء لقطاع التجزئة (الاستيراد) لتوفير السلع أو للأفراد للصرف على شراء تلك السلع، وهو ما يعني وجود حركة تجارية حقيقية داخل الاقتصاد. فيما تتوزع النسب الباقية على قطاعات الصناعة والإنتاج وكذلك الزراعة والبناء والتشييد. لهذا لا نجد أن المملكة لديها مشكلة سيولة لأن سيولتها كانت تعكس حقيقة اقتصادها ولم تكن مصطنعة. لم تكن هناك صناعة مال بالمال بالمعنى الذي تحدثنا عنه أعلاه. وعند مشاهدة مؤشر نمو القروض نجده متماشيا مع نمو الناتج المحلي في المملكة إلى حد ما أو أعلى بقليل. فيما كانت فقاعة سوق الأسهم الاستثناء، حيث كانت وتيرة نموه (أي السوق) أسرع بمراحل من نمو الناتج المحلي حتى وصلت قيمة السوق في الذروة (24/2/2006م) إلى ضعف الناتج المحلي للمملكة (أكثر من ثلاثة تريليونات ريال)، وكان من الطبيعي جدا أن تحصل فقاعة.
ما دامت تلك هي الصورة في المملكة، لماذا يتحدث الناس اليوم عن مشكلة سيولة لدى البنوك السعودية؟ البنوك ليس لديها مشكلة سيولة، بل على العكس من ذلك، فلا يزال مؤشر السيولة في تزايد شهري. نعم، ومع بداية الأزمة كان هناك خلل في الحركة النقدية نتيجة تعطل الدورة النقدية الكاملة بين الاقتصاد السعودي واقتصادات العالم (أي حركة العملات ما بين الداخل والخارج) بعد أن توقفت إحدى حلقاتها في أمريكا والغرب تماماً كما هو معروف. وما لبث أن أعيد بعض التوازن عبر إجراءات سريعة بين البنوك ومؤسسة النقد معتمدين في ذلك على الاقتصاد الداخلي بنسبة أكبر منها مع الاقتصادات الخارجية. وإنما يأتي شح التمويل مقارنة بالسابق لأسباب أخرى. وأول تلك الأسباب التي قد يكون مسكوت عنها أو لم يتم التطرق إليها بشكل صريح هو الوضع المالي لرجال الأعمال والمنشآت التجارية والصناعية في المملكة اليوم بعد حدوث الأزمة المالية "العالمية"! فحسب تركيبة الاقتصاد السعودي يرى البعض أن نحو 80 في المائة من حركة الأعمال "الحقيقية" تتركز في أيدي 20 في المائة فقط من أصحاب الأعمال والمنشات (شبه احتكار).
وبحكم أن هناك بعض رجال الأعمال ومنشآت الأعمال من شريحة الـ 20 في المائة خسروا مبالغ بالمليارات عبر استثماراتهم المباشرة في "الأدوات المالية المهيكلة" والتي كانت تسوق بشكل مباشر عبر دول إقليمية مجاورة لهؤلاء، أو لهم ارتباطات مع شركات استثمار عالمية بشكل مباشر. حتى أن بعض الأرقام التي ذكرت خلال قمة الكويت الاقتصادية قالت إن حجم الخسائر يقدر بحدود 2.5 تريليون دولار (2500 مليار ريال) وبعض الأرقام يتحدث عن 1.5 تريليون ريال (أعتقد أن هناك مبالغة في تلك الأرقام، ولكن المؤكد أن هناك خسائر حقيقية بالمليارات عبر تلك الاستثمارات). وقد لا نستغرب إذا ما سمعنا أسماء طالما عرف عنها الثراء والنجاح في إدارة أعمالهم، أنها تعاني مشكلات مالية وقد تفلس! وهو الأمر الذي جعل القطاع المصرفي يكون أكثر تشددا في الإقراض حسب متطلبات إدارة المخاطر. أما القروض ذات الطبيعة الصناعية والتجارية الواضحة التي تمثل شركات بمستويات شفافية عالية سواء قائمة أو حديثة النشأة، فلا أعتقد أنها تواجه مشكلة في هذا الخصوص، ولكن الشركات نفسها تقوم اليوم بإعادة تقويم دراسات الجدوى التي بنت على أساسها مشاريعها أو حاجاتها التمويلية، لأن الأمور تغيرت وسوف تتغير بشكل دراماتيكي خلال عام 2009م. وأقل تلك الأمور معادلة تمويل المشاريع ما بين رأس المال والتمويل، التي أيضا مع الأسف صيغت بعقول غير محلية. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي