رأس المال الابتكاري: حقبة جديدة للأنشطة التجارية العالمية
ساعد رأس المال الاستثماري في دفع عجلة الأعمال الحرة منذ الأيام الأولى لظهور الأنشطة التجارية، فأفراد العائلة الملكية الإسبانية والإيطالية التي مولت بعثات كريستوفر كولومبوس إلى العالم الجديد كانوا في الأساس أصحاب رأسمال رغبوا في استثماره بهذه الطريقة المبتكرة.
دخل هذا المجال مرحلة ازدهار بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قام جورجيس دوريوت بإضفاء صفة الشرعية على شركات رأس المال الاستثماري، حيث رأس أكبر شركة عامة من هذا النوع، وهي الشركة الأمريكية للبحث والتطوير في بوسطن. ساعدت شركته على تطوير الكمبيوتر، الأجهزة الطبية، وباقي المنتجات التكنولوجية المتقدمة.
عندما تولى دوريوت رئاسة هذه الشركة كانت أنشطة التمويل والاستثمار حكرا على كبار رجال الأعمال والأثرياء والنخبة، وكان هذا الوسط يجعل من الصعب على أي شخص دون صلات أن يقوم بتمويل شركة جديدة، وكان هذا هو الحال مع شركات التكنولوجيا المبتكرة التي رفضت البنوك إلى حد كبير تمويلها.
يوضح الكتاب أن ذكاء جورجيس دوريوت، إضافة إلى رؤيته التجارية الثاقبة، كانا سببا في تغيير الساحة إلى الأبد لأصحاب المشاريع وشركات التكنولوجيا، حيث عدّل نظام الاقتصاد الأمريكي الذي كانت تسيطر عليه الشركات العملاقة مثل كبرى شركات السيارات وشركات صناعة الصلب. فتوظيف رأس المال الاستثماري ساعد على دعم مشاريع جديدة بما فيها شركتي مايكروسوفت وإنتل. وساهم في جعل الولايات المتحدة دولة الشركات الناشئة التي تقدر الابتكار وتشجعه.
منذ فترة الأربعينيات، ساعد دوريوت على توجيه بداية حقبة جديدة من الشركات الأمريكية ومنذ ذلك الحين هذه الشركات الجديدة على إقامة أسواق جديدة وتوفير الملايين من فرص العمل. وبالفعل صدر في الفترة الأخيرة تقرير رسمي يشير إلى أنه بين عامي 1970 و2005 كانت الشركات التي تدعمها رؤوس الأموال الاستثمارية تقدم عشرة ملايين فرصة عمل ونحو 17 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي.
ولد جورجيس دوريوت في باريس عام 189، وساعد والده على تطوير شركة سيارات فرنسية شهيرة، وكانت عائلته تعيش في رخاء ثم اتجه والده فيما بعد إلى إنشاء شركة إنتاج السيارات. كان دوريوت منذ الصغر طالبا نجيبا وتعلم في مدارس بريطانية أجاد فيها اللغة الإنجليزية. كما قضى وقتا كبيرا في مصانع والده ساعده على إجادة ميكانيكا السيارات.
عام 1921 سافر دوريوت إلى الولايات المتحدة لدراسة التصنيع، والتحق بكلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، إلا أنه تركها فيما بعد ليعمل في إحدى الشركات الكبرى والتي عمل فيها لفترة أربع سنوات.
وكانت وظيفته هي تقييم أحدث التكنولوجيات من حيث كونها فرص استثمار محتملة. عاد دوريوت إلى هارفارد مساعدا لعميد كلية التجارة. وعندما انتقد مادة دراسية هناك تحت اسم "مشكلات المصانع ونظام تايلور" طلب منه العميد أن يقوم بتدريسها بنفسه. وكان أداؤه ممتازا في التدريس حتى صار يدرس مواد أخرى. وصار أستاذا معروفا في هارفارد.