لو عرضنا أشلاء القطط والكلاب لكسبنا الرأي العام
سياسة أمريكا المتسلطة هي سبب معظم المشاكل الدولية الشائكة والمزمنة. أمريكا هي التي تشجِّع اليوم مرتزقة بني إسرائيل على قتل النساء والأطفال في غزة وتدمير كل ما هو تحت وما هو فوق الأرض بوحشية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً. وأمريكا تتبنى بكل ما أوتيت من قوة إعلامية تغطية جرائم الصهيونية بخلق المبررات الواهية للاعتداءات وقتل وجرح الآلاف من النساء والأطفال، على أنها دفاع عن النفس، وهم أصلاً المعتدون، هكذا ومن دون أي اعتبار للرأي العام العالمي. وهؤلاء الصهاينة هم حثالة البشر، ولسنا نحن الذين نقول ذلك. فعند ما نقرأ تأريخهم نجد أنهم كانوا عبر الأجيال يعيشون منبوذين ومعزولين عن المجتمعات المحيطة بهم داخل أحياء قذرة. وإلا فهل يُعقل أن أمة تدَّعي أنها مرت بما يُسمونه "بالهلوكوست" وعانت الظلم الذي وصفوه للعالم على أنه أبشع أنواع العذاب والإبادة، يجمعون شتاتهم في أرض ليست لهم ويبيدون سكانها الأصليين بدم بارد؟ قاتل الله بريطانيا التي كانت أول منْ مهَّد لهذه الكوارث الإنسانية بمنحهم للصهيونية العالمية ما لا تملك، من أجل التخلص من مشاكلهم وسوء معاشرتهم.
ومن المضحك المبكي أن الغربيين يفخرون، أن لديهم جمعيات للرفق بالحيوان ومثلها لحقوق الإنسان، ولا ندري أي إنسان يقصدون! ونحن نعلم أنهم فعلاً لا يتحملون رؤية حيوان يقع تحت التعذيب، ولكنهم كانوا يفرحون ويمرحون عندما يشاهدون أشلاء أطفال ونساء غزة مبعثرة في الشوارع. ويا ليتنا وضعنا أشلاء وجثامين قطط وكلاب غزة التي لم تسلم من صواريخ بني صهيون أمام الكاميرات، لعلها تثير لديهم العطف والشفقة فيطلبوا من جيش الغدر أن يقلل من قصفه العشوائي على الأحياء السكنية. فهم لم يتورعوا عن قصف المدارس وهم يعلمون حينها أنها كانت الملجأ الوحيد للنساء والأطفال الذين دُمرت بيوتهم، ثم أتبعوا ذلك بقصف وتدمير أماكن ذات حصانة دولية كانت أيضا ملاجئ لمئات ممن تقطعت بهم السبل، كل ذلك أمام أعين المشاهدين من جميع أنحاء العالم، والعالم مع الأسف لا مِن شاف ولا مِن دري!
أما نحن العرب والمسلمون فقد أثبتنا أننا لا نستحق الحياة، وأننا، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، "غثاء كغثاء السيل". لا يجمعنا إلا حب الصراخ والعويل والاستنجاد بالآخرين، ونتبارى في حبْك أقوى كلمات الشجب والاستنكار، ثم نذهب لشؤوننا وكأن شيئاً لم يحدث. وإن اجتمعنا من أجل أن نبحث في قضية ما، حتى ولو كانت مصيرية، كقضية العدوان الإجرامي على غزة، نخرج من الاجتماع ونحن أكثر تفرُّقاً، ثم نعود إلى ديارنا وكل طرف يسبَّ ويلوم الآخر ويدَّعي أن الحق معه، والقضية هي الضحية.
ولعله من سوء الطالع على أهل غزة أن هذه الحرب المدمرة التي شُنَّت من جانب واحد كانت تهدف، كما تدَّعي إسرائيل، إلى القضاء على حركة حماس، أو على الأقل إضعاف مكانتها ونفوذها بين الفلسطينيين. والذي حدث هو عكس ما كانوا يتوقعون ويتمنون. فكل المؤشرات تدل على أن حماس، كحركة قيادية، باقية سواء قَبل بها المجتمع الدولي أم لم يقبل. ولكن، والحق يُقال، تنقصها بُعد الرؤية لما هو ممكن الحصول عليه وما هو مستحيل كسبه في غضون المستقبل المنظور. ويكفي أن العدو الصهيوني استطاع بخبثه استدراجها إلى هذه المواجهة غير المتكافئة، خلال ما يمكن أن يطلق عليه الوقت الضائع، وهو آخر شهر من ولاية أسوأ رئيس أمريكي على الإطلاق. ومن السخرية أن تدَّعي إسرائيل أنها خرجت من هذه الحرب العبثية الإجرامية منتصرة! فهل الذي يصب الجحيم على رؤوس اللاجئين من الأطفال والنساء وهم داخل حمى مباني الأمم المتحدة، يعتبر ذلك نصرا عسكرياٍّ؟ وأنتم يا قادة حماس، لماذا لا تستبدلون كلمة " انتصرنا " بكلمة "صبرنا "، والصبر محمود.
ولنا رأي في المثالية التي يتبناها قياديو حماس، وهم لا يزالون يواجهون منافسة شديدة من جميع الحركات والجبهات والفصائل الفلسطينية الأخرى، قد لا تساعدهم على تحقيق ولو جزء يسير من طموحاتهم وأهدافهم، وإن اعتقدوا أنهم على حق. فالوقت يسير لمصلحة عدوهم الشرس الذي لا يتوقف عن بناء المستوطنات والاستحواذ على أراضٍ جديدة كلما وجد فرصة لذلك، طالما أن أصحاب الأرض منشغلون فيما بينهم عن مصير ما تبقى من أرضهم المغتصبة.
والانقسام الداخلي الفلسطيني المؤسف هو ما أوصل القضية الفلسطينية إلى وضعها الحاضر الذي يهدد بمسحها من الوجود. وقد ذكرنا في مقالات سابقة أن انقسام أهل فلسطين، وهم تحت الاحتلال الصهيوني، إلى حركات وجبهات وفصائل متنافرة ومتناحرة أمر يدعو إلى السخرية. والدعوات التي نسمعها من وقت إلى آخر حول محاولة جمع الأطراف المختلفة من أجل "المصالحة" مَضْيعة للوقت. فالمصالحة تعني أن كل فريق يظل على ما هو عليه مع بقاء زعمائه "المُعتَّقين" الذين لا يريدون التضحية بمصالحهم الخاصة. وأيُّ مصالحة تتم بين هذه المجموعات لن تدوم طويلاً.
الزعامات الفلسطينية تحتاج إلى غربلة حقيقية حتى ولو استدعى الأمر تغيير جميع الوجوه المعروفة من أجل بلورة القضية ومحاولة كسب الرأي العام العالمي والعربي، بعيداً عن التدخلات الإقليمية التي طالما كانت سبباً في تفريق الإخوة وإشغالهم عن المغزى الرئيسي من مقاومة الاحتلال، ألا وهو تحرير الأرض.