الاستثمار العقاري .. الداء والدواء!!
يعد القطاع العقاري من أهم مقومات كل اقتصاد حيث يشكل في الغالب نشاطه معدلات مرتفعة جداً في مكون الناتج الإجمالي في اقتصادات تصنف بالمتقدمة. وقد عايش المجتمع الدولي بأسره الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق المالية وأسواق السلع، والتي كانت جذوتها بسبب القطاع العقاري وما دار في محيطها من تصكيك وتسنيد ارتفعت مخاطرها جراء ارتفاع درجة مخاطر المقترضين أصلاً، إذ على أثرها تهاوت معها الأسواق المالية. ولسنا هنا في موقع رصد للأزمة المالية ومن تسبب فيها إلا أنه من المؤكد أن محورها هو قطاع العقار. ولأهمية هذا القطاع وملامسته احتياجات كل الأنشطة والكيانات الاقتصادية وأفراد المجتمع، تفرد الدول لهذا القطاع منظومة من النظم والهيئات التشريعية والمؤسسات لضبط إيقاع حركته ورفع كفاءته وخصوصا عدالته. هذا السوق وفي غالب الدول التي تمتاز اقتصاداتها بالكفاءة في أسواقها تخصص لهذا القطاع كيانا مؤسساتيا واحدا يهتم بكل شؤونه تنظيميا بالشكل الذي يوازي حجمه وأهميته.
وفي الاقتصاد السعودي وعلى الرغم من الجهود المختلفة، بحسب الظروف المحيطة في وقتها، تعاقب كثير من التشريعات والمحفزات والأسس والمنشآت نحو إكمال بنية أساسية لهذا القطاع الحيوي المهم. ومن تلك الجهود المشكورة والتي تباينت بأهدافها بحسب ما عني إليه من إنشائها أو تطبيقها الصندوق العقاري - هيئة الإسكان - القوانين الخاصة بالمساهمات العقارية، صناديق الاستثمار العقاري وغيرها. ولعل المتابع لنشاط القطاع العقاري يرى أن هذا القطاع تتجاذبه مرجعيات حكومية مختلفة بحسب معطيات النشاط، وهذا في تقديري هو أحد أسباب تأخر لمس الكفاءة في هذا القطاع. وهذا أشبه ما حصل في تاريخية سوق الأسهم يوم أن كان عدد من الهيئات والوزارات والمؤسسات يتدخل في شؤونه بحسب واقع والأمر وعلاقته، إلا أنه بعد قيام هيئة السوق المالية صار على الأقل المرجع واحداً، والذي بسببه أسهمت تلك الهيئة في العمل على إكمال بنية السوق الأساسية، وإن كانت هناك جوانب قصور لأسباب عديدة.
إن النشاط العقاري في الاقتصاد السعودي يحتاج وبشكل عاجل إلى مرجعية موحدة على غرار هيئة سوق المال لكي تعنى بهذا النشاط الحيوي جداً للاقتصاد ولكي تعمل على الرفع من كفاءته في مشاركته للناتج الإجمالي بشكل حقيقي، ولكي تُخرج هذا السوق والنشاط المحوري من دائرة النمطية ولتجعله مصدر جذب أكبر للاستثمار وإيجاد فرص وظيفية تزيد بالتالي من الناتج الإجمالي للاقتصاد. إن أمام هذه الهيئة أو المرجعية - في حال إنشائها - قائمة طويلة من العقبات والتحديات لتشعب ما يعانيه القطاع العقاري في السعودية من أمور، سواء كانت على مستوى النظم والتشريعات والتداخل وعدم تجانس المتعاملين أو المستفيدين من نشاطات القطاع العقاري. فالأسرة تحتاج إلى منزل بل الفرد (الأعزب) يحتاج إلى ملاذ، وما أصعب أن يجده، والشركات تحتاج إلى مكاتب والزائر يحتاج إلى مهجع والسائح يحتاج إلى أماكن إقامة، ولكل همومه.
إنني أتمنى أن تكون مباردة مجلس الشورى الموقر في دراسته أخيرا لتأسيس سوق لتداول العقارات هي بداية الاهتمام بواحد من أبرز محاور أي اقتصاد. ولعلني أستبق الحدث باقتراح إنشاء هيئة تنظيمية قبل أن يكون هناك سوق لكيلا تنتهي بسوق تتجاذبه المضاربات أو النفوذ أو قصور التنظيم.
أستاذ مشارك العلوم المالية - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن