رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية ودورها في ضخ الفكر

قامت إحدى الشركات القيادية الوطنية العاملة في القطاع العقاري بضخ منتجات متفردة تنهض بالواقع العقاري في بلادنا إلى آفاق أرحب ليحقق أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والأمنية والبيئية وهو ما جعلها محط إعجاب الأجهزة الحكومية ذات الصلة بالقطاع العقاري تنظيما وتطويرا وتمويلا، إضافة إلى المؤسسات التمويلية والمثيلة والمستفيدين وصناع الفكر والرأي والقرار، وهذا فعل رائع ومطلوب بل ونبيل أيضا، حيث تحقق هذه الشركة القاعدة القائلة "إن تحقيق المصالح الخاصة بتحقيق المصالح العامة يعزز قدرات الشركة ومكانتها ومركزها المالي".

ما هو أنبل هو ما قامت به هذه الشركة الوطنية أيضا من ضخ لفكر عقاري غير مألوف في سوقنا العقارية، وبشكل مواز لما تضخه من منتجات عقارية باستخدام وسائل الإعلام والتواصل المباشر مع القائمين على الأجهزة الحكومية والاستشارية والمنشآت الخاصة ذات الصلة، وهو ما أدى إلى إثارة حوارات صحية وتداعيات إيجابية حيال ما ضخته تلك الشركة من حقائق ومفاهيم ومصطلحات وبدائل تحفيزية وعلاجية لتنمية سوقنا العقارية لتلعب دوها الحقيقي في منظومة الاقتصاد السعودية.

وكراصد للنشاط الفكري الاقتصادي فإني أكاد أجزم بإن عملية الضخ الفكري هذه كانت مخططة ومقصودة ومرحلية ما جعلها فاعلة ومؤثرة في إعادة تشكيل الكثير من القيم والمفاهيم والمعارف، وتطوير مواقف إيجابية أثمرت في تنمية السوق العقارية بالمحصلة، وتعزيز هذه السوق العملاقة في الاقتصاد الوطني والعمل على تحقيق كافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والأمنية بعد أن كانت أبعادا مهملة عند تخطيط الأحياء الحضرية، حيث لم تتعد أهمية العقارات فيما سبق أهميتها المباشرة للمستفيد كمأوى أو مقر لنشاط اقتصادي (زراعي، صناعي، تجاري، خدمي).

هذه التجربة الوطنية الرائعة في سوقنا الناشئة، ولا أقول تجربة غربية في سوق ناضجة، جعلتني أتوقف كثيرا أمام مهام مؤسساتنا الحكومية والخاصة وغير الربحية، والتي تركز على مهامها الرئيسية في تقديم المنتجات أو الخدمات وتبذل الجهد والمال في سبيل تحقيقها متجاهلة مهمتها المهمة الأخرى المتمثلة بضخ الفكر بشكل مواز بما يجعلها تسهم في إعادة تشكيل الوعي تجاه مجال عملها ومنتجاتها وخدماتها وقضايا سوقها الذي تعمل فيه .
هذا الموقف السلبي من عدم ضخ الفكر جنبا إلى جنب مع ضخ المنتجات والخدمات أدى إلى ضعف شديد في وعي عناصر كل سوق أو بيئة عمل، وهو ما أفضى بالمحصلة إلى معارف متعارضة، ومواقف متناقضة، وعدم تكامل عناصر أي قضية أو سوق، حيث يعمل كل عنصر بمعزل عن العناصر الأخرى بشكل مؤلم يشتت الجهود والطاقات ويضعف الكفاءة الإنتاجية للموارد المالية والبشرية والمادية والتعاونية، ما ينعكس سلبا على التنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة كنتيجة حتمية.

من سمات الشعوب النامية العمل قبل التفكير، والعمل بالاعتماد على الجهود والموارد الذاتية دون التكامل مع الآخرين، وضعف الاهتمام بالتعرف على معايير الجودة، وعدم تطبيقها، وعدم تخصيص موارد مالية لضبطها، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الخطأ، وإعادة الأعمال مرة أخرى، وارتفاع تكاليف معالجة المشاكل المتكررة والمتزايدة، وخسارة السمعة بالمحصلة، نعم فكثير من المنشآت العاملة في الدول النامية تدفع تكاليف عدم الجودة أضعافا مضاعفة أكثر مما كانت ستدفعه تكاليفا للجودة فضلا عن خسارتها للجهود التكاملية وتحقيق مبدأ التراكمية على مستوى المنشأة وعلى مستوى السوق معا.

في بلادنا تعمل معظم المنشآت الحكومية والخاصة وغير الربحية بمعزل عن كل أو بعض شركائها حيث تعمل جاهدة للقيام بمهامها وتحقيق أهدافها وحدها أو بالتعاون مع عدد محدود من الشركاء الذين لا يمكن العمل دونهم بحال من الأحوال، وهو ما أدى إلى ضعف تواصل تلك المنشآت مع كل أو بعض شركائها لتحقيق التفاهم المشترك تجاه القضايا المشتركة والتي يمكن التنسيق والتكامل للتصدي لها وتعزيز محفزاتها ومعالجة عوائقها.

بعض المنشآت التي تطورت فكريا ورأت ضرورة التواصل مع الشركاء للتكامل لتحقيق الأهداف، خاصة الأهداف الشمولية التي لايمكن أن تتحقق دون تفاعل كافة العناصر ذات الصلة هي الأخرى تعاني مشكلة كبيرة، حيث يعتقد القائمون عليها أنه يمكن التواصل مع شركائهم لإعادة تشكيل وعيهم بما يؤصل للتعاون والتكامل المنشود بدراهم معدودة، وهو ما يجعل معظم برامجهم التواصلية غير ذات جدوى، وهو ما يجعلهم يعتقدون بعدم جدوى هذه الأداة الفاعلة ليتراجعوا عن استخدامها بدلا من مراجعة أسباب عدم فاعليتها ومعالجة هذه الأسباب ليكون تواصلهم مع شركائهم فعالا ومثمرا.

أعتقد أنه يمكن للمؤسسات الحكومية والخاصة وغير الربحية أن تحقق أهدافها بجهود أقل وفي وقت أسرع بالاستفادة من الجهود التكاملية، وهو ما لا يمكن إلا إذا أعادت تلك المؤسسات موقفها من ضرورة ضخ الفكر التنموي جنبا إلى جنب مع ضخ الخدمات والمنتجات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي