أماني التغيير الأمريكي

الشعار الذي رفعه الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين أوباما خلال الانتخابات كان التغيير, وكنت قد كتبت في حينه مقالا عن الموضوع أوضحت فيه أن دولة تعمل وفق مفهوم المؤسسات, وقراراتها تأتي من خلال العمل المؤسسي يصعب على الفرد حتى لو كان رئيس دولة تحقيق أمانيه إذ سيواجه كثيرا من المشكلات والصعوبات التي تعترض سبيله, خاصة أن وطناً مثل أمريكا تشكلت فيه قوى مصالح قوية ومؤثرة, ومتجذرة مثل تجار السلاح, وشركات النفط, وشركات التصنيع العملاقة وبيوت الخبرة المالية, والإدارية, وهذه من شأنها أن تستمر في المحافظة على مصالحها وتستشعر التهديد لمصالحها, وتتحرك لمواجهة مصدر أو مصادر التهديد إن وجدت. ولعله من المناسب أن نتناول بالتحليل والمناقشة بعض النقاط التي طرحت أثناء حفل التنصيب, وما تلاه من أيام عمل أوباما رئيساً للولايات المتحدة, وما اتخذه من قرارات تشير إلى رغبة التغيير التي تكمن في ذاته, لكن الواقع الذي يتحرك فيه سواء الواقع الداخلي الأمريكي, أو الواقع العالمي, والشرخ الذي أوجدته أمريكا في علاقاتها مع دول العالم وشعوبها خلال فترة الرئيس بوش, الذي أوصل أمريكا, ومعها كثير من دول العالم, إلى كثير من التدهور المادي والقيمي الذي لا حدود له قد يشكل حفراً يقع فيها مشروع التغيير الذي يبشر به أوباما.
إن الرئيس أوباما سيجد نفسه إن عاجلاً أو آجلاً يسير وفق مسارات محددة لا يمكنه أن يخرج منها, أو يتجاوزها خاصة أنها أصبحت عبر الزمن من المسلمات والثوابت التي يصعب الفكاك منها, بل إن من يحاول ذلك يتهم بعدم إخلاصه للأمة, ومعاداته للسامية, التي أصبح يعاقب عليها القانون الأمريكي, ومعه كثير من قوانين الدول الأوربية. لقد تساءلت وأنا أستمع خلال حفل تنصيب الرئيس أوباما بشأن ما قاله أحد المتحدثين, حيث ذكر أن الكتاب المقدس يقول شعب إسرائيل وشعبنا شعب واحد. توقفت عند هذه العبارة, وتساءلت هل هذه العبارة في هذا الموقف, وأمام مليونين من الحضور, عدا المشاهدين عبر شاشات التليفزيون, بمثابة برمجة للرئيس الجديد, وإلزام له كي يحافظ على المسيرة التي حافظ عليها من قبله من الرؤساء لدعم إسرائيل مادياً, سياسياً, وعسكريا, خاصة أن سياسة خدمة إسرائيل العمياء هي ما ورط أمريكا في كثير من المشكلات؟ أعتقد أن هذا جزء من لعبة اللوبي الصهيوني الذي ألزم أمريكا بحماية إسرائيل والدفاع عنها في كل الظروف والأحوال, ولذا لا غرابة أن يتعهد الرئيس المنصرف بوش بتعويض إسرائيل عن العتاد والأسلحة التي استخدمتها في حربها على أبناء غزة, وقتلت فيها الأطفال, النساء, والشيوخ, ودمرت بها المساجد, المستشفيات, المدارس, البيوت, الدوائر الحكومية, والمرافق الحيوية.
إن هذا التعهد من بوش ملزم لخلفه وعليه تنفيذه, وفي هذا برمجة سياسية, وإن كان الرئيس أوباما في ظني لا يحتاج إلى هذه البرمجة فهو قد حفظ الدرس, وتعلمه من خلال الثقافة الأمريكية العامة التي تقدم عبر وسائل الإعلام, وفي الكنائس, وعبر كل الوسائط الأخرى.
في خطاب التنصيب ذكر أوباما أموراً مهمة على المستوى الداخلي, وإن كانت لا تستهوي إلا شريحة واحدة ألا وهي الشريحة التي جاء منها, لكن نسبة أخرى من الشعب الأمريكي قد تستشعر فيها الخطر, والتهديد لمصالحها. كيف سينظر اليمينيون والعنصريون إلى عبارات من مثل انتهى وقت العهود الكاذبة لإنهاء العنصرية, وعبارة أمريكا ليست لقسم دون آخر, وضعف الاقتصاد بسبب جشع البعض. لا شك أن هذه العبارات وغيرها من العبارات التي وردت في خطاب أوباما تغازل وتناسب مشاعر الفقراء والمحرومين في أمريكا لكنها في الوقت ذاته قد تحرك الميكانيزمات الدفاعية عند المنتفعين, وأرباب المال الذي يسيرون أمريكا سياسة, اقتصاداً, إعلاماً, وثقافة, وربما تبدأ تظهر المشكلات في مسيرة التغيير بعد المائة يوم الأولى, التي تعتبر شهر العسل للرئيس الجديد, إن لم تظهر قبل هذا الوقت, وهذا ربما يفسر توقيع أوباما على قرارات تنفيذية لإغلاق سجن جوانتانامو خلال سنة, ومنع التعذيب للسجناء, إضافة إلى تأكيد سحب القوات الأمريكية من العراق, كما ذكر أوباما في كلمة حفل التنصيب.
المتأمل في خطاب أوباما يلاحظ أن أوباما جمع بين أمرين أساسيين, أولهما شعوره وإدراكه الوضع الصعب الذي وصلت إليه أمريكا اقتصاديا, وسياسيا, وكذا سمعتها في الخارج, حيث قال لا بد من نفض الغبار وإعادة صناعة أمريكا, كما قال لا نقبل بالقليل, والرحلة طويلة, كما دعا إلى مواجهة التحديات وصمود القدرات في وجه التحديات, كما أكد دور الحكومة في البناء, وتلبية الاحتياج, والإنفاق بحكمة, وأن تكون الحكومة تحت ضوء الشمس, ما يعني أهمية الشفافية في العمل الحكومي إذا ما أريد النجاح في المجالات كافة. أما الأمر الأساسي الآخر فهو بث روح التفاؤل, وتأكيد روح الاعتداد بالنفس, والثقة بأمريكا, حيث أكد أن أمريكا لا تزال دولة قوية, ومعطاءة, وستستمر أقوى دولة في العالم, ومزدهرة, وأكد أنه لا بد من تحقيق الثروة والازدهار للأجيال المقبلة. وفي مخاطبة الداخل الأمريكي أكد أوباما أهمية النزاهة, العمل الدؤوب, الإخلاص, العزيمة, العدل, والأمانة. وفي تأكيده على قوة أمريكا أشار إلى أن القوة تنمو من خلال الأمن, والأمن يتحقق من خلال العدل. ولا شك أن هذه المفاهيم والقيم ضرورية لأي مجتمع يرغب في التطور والتقدم لكن الأمور قد لا تسير وفق ما يريد.
في مخاطبة العالم الخارجي أشار أوباما إلى أن أمريكا لن تقف في وجه أي فرد يريد الحرية, وأشار إلى أن أمريكا قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات, وخاطب العالم الإسلامي, وأكد ضرورة بناء علاقات قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل, كما ذكر أن أمريكا ستترك العراق لأهله, ولعله من المناسب أن نذكر أوباما بأن أمريكا هي التي حاربت العالم الإسلامي, وجيوشها لا تزال تربض على الأراضي الإسلامية, وتمارس القتل والتدمير, كما أن دعمها المستمر لدولة الكيان الصهيوني يمثل أقصى درجات التحدي للعالم الإسلامي, فهل يدرك الرئيس الجديد هذه الحقائق ويحدث التغيير الحقيقي الذي وعد به أثناء حملته الانتخابية؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي