تضخيم مضلل لحجم التجارة العربية البينية
عقدت الأسبوع الماضي القمة العربية الاقتصادية في الكويت، ورغم تعدد القرارات الاقتصادية الصادرة عن القمة إلا أن هذه القرارات كانت في واقع الأمر أقرب إلى أن تكون رغبات وأمل من كونها قرارات ستغير كثيراً من واقع التعاون الاقتصادي العربي. لكي يكون هناك اقتصاد عربي قابل للتكامل يجب أولاً أن تكون هناك مصالح وارتباطات اقتصادية مشتركة ذات وزن بين الدول العربية ضمن منظومة علاقاتها الاقتصادية، وهو أمر غير قائم في الوقت الحالي، باعتبار أن الشركاء التجاريين الرئيسين للدول العربية جميعهم دول من خارج المجموعة العربية، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، وبالتالي فارتباط مختلف الاقتصادات العربية بتلك المجموعات أكبر وأهم بكثير من ارتباطها بالاقتصادات العربية الأخرى، حيث لا يمكن في واقع الأمر الحديث عن وجود إمكانية كبيرة لتحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي في ظل هذه الظروف غير المواتية.
وبدلاً من الاعتراف بهذا الواقع تجد أن مؤسسات العمل العربي المشترك، كالجامعة العربية وصندوق النقد العربي، تحاول تغطية وإخفاء هذا الواقع من خلال المبالغة في حجم وإنجازات التعاون الاقتصادي العربي بما في ذلك نشر نسب مضللة مبالغ فيها لأحجام التجارة العربية البينية، تظهرها بضعف ما هي عليه فعلا. فنجد مثلاً أن صندوق النقد العربي يقدر حصة التبادل التجاري العربي البيني من إجمالي التجارة العربية في عام 2007 بنحو 10.2 في المائة، وذلك من خلال احتساب نسبة التجارة البينية العربية على أساس أنها متوسط نسبتي الصادرات البينية إلى إجمالي الصادرات العربية البالغة 8.3 في المائة والواردات البينية إلى إجمالي الواردات العربية البالغة 12.1 في المائة، وفي هذا مغالطة وازدواجية في الحساب غير مقبولة. فإجمالي التجارة البينية بين مجموعة من الدول هو إجمالي الصادرات البينية أو إجمالي الواردات البينية لكن ليس كليهما، باعتبار أنهما وجهان لعملة واحدة، فعندما نجمع الصادرات البينية والواردات البينية فإننا نحتسب كل سلعة تم تداولها بينياً مرتين، مرة في جانب الصادرات وأخرى في جانب الواردات. والحساب الصحيح لنسبة التبادل التجاري البيني بين مجموعة من الدول هو أن ننسب صادراتها البينية أو وارداتها البينية إلى إجمالي تبادلها التجاري مع العالم الخارجي (الصادرات زائداً الواردات). وفي حال احتساب التجارة العربية البينية وفقاً لذلك، فإن متوسط نسبة التجارة البينية العربية إلى إجمالي التبادل التجاري للدول العربية في عام 2007 تبلغ 5.1 في المائة فقط وليس 10.2 في المائة كما ورد في التقرير العربي الموحد الصادر عن صندوق النقد العربي. وبالمناسبة، فإن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي هي الأخرى تقع أيضا في الخطأ نفسه فتحتسب حجم التبادل البيني بين دول المجلس بصورة مزدوجة تظهره بضعف قيمته الحقيقية.
والحقيقة أن الاقتصادات العربية طالما بقيت تحمل سمات التخلف الاقتصادي المتمثلة في اعتمادها شبه الكامل على إنتاج السلع الأولية كالنفط الخام والغاز والسلع الزراعية، وفي معاناتها خللا في الصادرات نتيجة تركز صادراتها في سلعة واحدة أو عدد محدود جداً من السلع بينما تستورد آلاف السلع من الخارج، فإنه لا يمكن أن يقوم تكامل اقتصادي بينها، ولا أن تنجح أي جهود تستهدف زيادة حجم التبادل التجاري البيني بما في ذلك إقامة منطقة تجارة عربية حرة أو اتحاد جمركي. فواقعها الاقتصادي يحتم أن يكون شركاؤها التجاريون دولا من خارج المجموعة العربية باعتبار أنها تنتج سلعا يلزم تصديرها إلى الدول المتقدمة صناعياً وتستورد سلعاً لا تنتجها في الغالب إلا هذه الدول. ففي عام 2007 على سبيل المثال مثلت صادرات العالم العربي من النفط والغاز الطبيعي نحو 75 في المائة من إجمالي الصادرات العربية، كما شكلت واردات العالم العربي من الآلات ومعدات النقل فقط نسبة عالية بلغت نحو 38 في المائة من إجمالي وارداتها، وإلى أن يتغير هذا الوضع، فإن وجهة الصادرات العربية ستظل الدول المتقدمة صناعيا وستبقى معظم وارداتها سلعا مصنعة من قبل المجموعة نفسها.
إن الدول العربية لكي تحقق تكاملا اقتصاديا حقيقيا يحسن من أوضاعها الاقتصادية ويرفع من مستويات معيشة شعوبها في حاجة إلى بذل جهود حثيثة تنجح في تنويع قواعدها الاقتصادية وتخرج اقتصاداتها من دوامة التخلف الاقتصادي المتمثل في سيطرة الإنتاج الأولي على إنتاجها وصادراتها، ودون ذلك فلن يكتب النجاح لأي جهد يستهدف مزيدا من التكامل الاقتصادي بينها، وبدلاً من الاعتراف بذلك سنكتفي بتضخيم الإنجازات فنبالغ في حجم التبادل التجاري البيني من خلال احتساب كل سلعة نتبادلها مرتين.