هل انتصرت العفوية لبنوكنا؟
حين هبت ريح العاصفة المالية من قلب منهاتن وفي أزقة "وول ستريت" في نيويورك بدأت آثار هذه الريح العاتية تحصد أعناق النخيل الاستثمارية التي كانت في يوم ما باسقة حتى سوتها كأعجاز نخل خاوية ولربما عقرتها أيضا. ولم يقتصر الأمر على محلية تلك الاستثمارات أمريكيا، بل تعداه إلى الدول الصناعية المتقدمة وكذا الناشئة، أما الفقيرة فقد كانت أصلاً منشغلة بهمومها المحلية.
واقتصادنا المحلي بلا شك طاله الأثر جراء هذه العاصفة لكنه من حسن الحظ لم يكن بهذا القدر الكبير، خصوصاً إذا جنبنا سوق الأسهم هذه الصورة لكون سوقنا غير خاضع إلى حد كبير لأساسيات التقييم الاقتصادية المنطقية. ولعل من أهم وأبرز القطاعات التي من المتوقع أن يكون لها النصيب الأوفر في أثر تلك الأزمة هو القطاع المالي، خصوصاً البنوك بنوعيها التجاري والاستثماري. وعلى الرغم من تطمينات المشرَّع لهذه المؤسسات والمسؤول عن سلامتها (مؤسسة النقد) في عدم وجود آثار ذات بال على هذا القطاع إلا أنه يبقى المتابع لنشاطات القطاع المالي في توجس لمعرفة الأثر الحقيقي وذلك حين تنشر مؤسساتنا المالية حصيلة نشاطاتها لعام 2008م. إنه من المعروف أن البنوك المحلية مهما يكن، لن تكون بمنأى عن الآثار السلبية أبداً، وستتباين الفروقات في ذلك الأثر، خصوصاً في مدى استثماراتها دوليا وأمريكياً بالذات.
ومما أعرف من خلال ما أعلن من نتائج رسمية أو استشراف من واقع تقارير مختلفة، إن بعض بنوكنا لن يتأثر بهذا القدر، بل يمكن أن يصل إلى مستوى أثر هامشي بسيط، في حين أن آخرين سيتجرعون خسائر في استثماراتهم تصل إلى حد المعنوية، وبالتالي ستأكل من أرباح أعمالهم طيلة السنة الماضية من خلال ما سيقتطع من مخصصات لهذه الخسائر. والسؤال الذي يطرح نفسه .. إن هذه المؤسسات المالية التي ستخسر جزءاً كبيراً من قيم استثماراتها كانت موقع الإعجاب لانفتاحها على الأسواق الدولية وتنويع محافظها، وعدم الاكتفاء بالسوق المحلي بينما كانت البنوك الأخرى التي لم تنهج هذا النهج الدولي والتوسع في الأعمال الاستثمارية بشكل كان يتسق ومعطيات الاقتصادات المتقدمة آنذاك هي مظنة قصور، بل ربما تقليل في الحصيلة المعرفية الاقتصادية والخبرات للقائمين عليها أو عفوية في الأداء، فهل انتصرت هذه العفوية وبالتالي كسبت الرهان لكونها لم تدخل في متاهات تعقيدات منتجات "وول ستريت"، وإذا أراد القارئ رأيي فأنا لا أؤيد هذا التوجه لسببين: أولاً: أن الانغلاق في بعض البنوك على العالمية بشكل عام فوت فرصاً كثيرة في وقت من الأوقات يوم أن كانت الأسواق الدولية في عافيتها. ثانياً: من المعروف بأنه من لا يخطئ لا يتعلم، ولذا فقد فوتت بلا شك هذه البنوك تعلم وتنمية مهارات احترافية في العلوم المالية للقائمين عليها. وأخيراً إن المشكلة والأزمة التي وقعت في العالم، هي خارج حدود التنبؤات بشكل يُلام عليه أولئك الذين سيتكبدون خسائر من المؤكد أنها ستكون وقتية.