رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الصناعة.. اللي ما عنده أم حاله يغُم

مقولة كانت تقولها جدتي عندما ترى بنتا صغيرة بعيدة عن أمها متربية عند زوجة أبيها، وأتذكر أن زرت مرة المهندس عبد العزيز الزامل في مكتبه ورأيت لديه ثلاث شنط مملوءة معاملات، تخص "سابك" و"الكهرباء والصناعة" وكلها ليوم واحد، فخرجت أدعو الله له أن يعينه، وأتساءل كيف نطلب منه أكثر، فمن أين سيأتي بالوقت، وفصلت وكالة الكهرباء عن وزارة الصناعة والكهرباء، فقلنا الحمد لله سيكون للصناعة نصيب أكبر، ثم فصلت المدن الصناعية بإنشاء هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، فقلنا الحمد لله الآن الصناعة ستجد تفرغا لها، لكنها ضمت إلى وزارة التجارة وأصبحت الصناعة وكالة فيها. إن الصناعة الموجودة اليوم لم تكن لتزدهر لولا توفير البيئة المشجعة لنموها ولا سيما في البنية الأساسية والخدمات وغيرها من الحوافز الحكومية.
ولقد وافق مجلس الوزراء مشكورا على إمداد المدن الصناعية الجديدة بالخدمات من قبل الدولة. نعم ومع أن الدولة صرفت نحو 2.1 مليار ريال قبل 30 عاما في إنشاء المدن الصناعية فضلا عما استثمرته في الخدمات وتوصيلها، ومع ذلك بلغ عدد المصانع أكثر من ثلاثة آلاف مصنع باستثمارات تزيد على 250 مليار ريال. وتوقف الصرف على بناء وتطوير المدن الصناعية للظروف الصعبة التي مرت بنا، وعندما حل الخير وجدنا أن هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية حسب نظامها لا تندرج تحت الميزانية العامة للدولة. ولقد عارض الصناعيون ذلك وطالبوا بتعديل نظام الهيئة وإضافتها إلى ميزانية الدولة العامة وتقديم الدعم المادي لها، وكما نعلم أن المطالب تحت الدراسة، فيا مسهل سهل.
ومن الملامح التي تمس القاعدة الصناعية في الخطة الثامنة للتنمية: تعزيز الكفاءات التقنية الإنتاجية والقدرات التنافسية وتطوير البنية الأساسية المساندة للصناعة وتطوير مهارات العمالة الوطنية ولا سيما في القطاع الصناعي، والتوسع في مشاركة القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصادرات الصناعية وتشجيعها.
ولقد خصصت الدولة هذا العام مبلغ 1.115 مليار ريال لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي ستساعد على تعزيز الكفاءات التقنية والإنتاجية، وخصصت هذا العام مبلغ 3.735 مليار ريال للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والتي ستساعد على تطوير مهارات العمالة الوطنية، فلم يبق إلا تطوير البنية الأساسية المساندة للصناعة.
لم تقصر الميزانية في الصرف على جميع احتياجات القطاعات المختلفة ومما يلفت النظر أن الدولة خصصت نحو 27 مليار ريال لمصروفات الجامعات القائمة والجديدة في ميزانية هذا العام، وخصصت 19 مليار ريال لمصروفات المؤسسة العامة للخطوط العربية السعودية، فلماذا لا يخصص 24 مليار ريال لتطوير المدن الصناعية ومناطق التقنية في جميع مناطق المملكة؟ ولن تكون مطلوبة في سنة واحدة، فلتوزع على خمس سنوات، فإذا فرضنا أن الجامعات الجديدة في جميع هذه المناطق ستدرّس مناهج منافسة عالميا وتتماشى مع احتياجات سوق العمل حتى لا نواجه بعد خمس أو عشر سنوات بآلاف الطلاب بمستوى متدن أو بتخصصات لا حاجة إليها ويضيع استثمار الدولة ويضيّع الشباب سنين من عمرهم في الحصول على شهادات تحصيل حاصل. يجب أن تستثمر الدولة في تطوير المدن الصناعية ومناطق التقنية والآن قبل غد، حتى يتمكن القطاع الخاص من الاستثمار في هذه المدن عسى أن نفتح مجالا للخريجين غدا للعمل أو الاستثمار.
وإذا نظرنا إلى إمارة مكة المكرمة فإننا نشكر الأميرين متعب بن عبد العزيز وخالد الفيصل لما قاما به من جهد في تخصيص أراض جديدة للهيئة التي بدأت تطور 2.3 كيلومتر مربع من أرض مساحتها ثمانية كيلومترات مربعة.
إن نصف مصانع جدة تقع خارج المدينة الصناعية، فتحتاج إلى 15 كيلومتراً مربعاً لنقل المصانع إلى المدن الجديدة وتوجد مئات التراخيص في انتظار أراض مطورة مزودة بالخدمات لن تكفيها ثمانية كيلومترات مربعة لو طورت كاملة، أي 23 كيلومتراً مربعاً محتاجة إلى التطوير فورا في جدة. كذلك نحتاج إلى بناء وتوسيع بعض المدن الصناعية في مكة والطائف ورابغ وبحرة والليث والقنفذة، أي بمجموع يقدر بنحو 40 كيلومتراً مربعاً لإمارة مكة المكرمة، وإذا اقترضنا أن سعر التطوير 100 ريال على الأقل، فإننا نحتاج إلى أربعة مليارات ريال إضافة إلى ملياري ريال للخدمات وتوصيلها، فهذه ستة مليارات ريال ومثلها للمناطق المختلفة التي بدأنا نبني فيها جامعات، ومثلها لمنطقة الرياض وأخرى للمنطقة الشرقية، أي نحو 24 مليار ريال تستثمر على مدى خمس سنوات، وهذا ليس بكثير على الصناعة خصوصا أنها استثمارات منتجة ستبقي على الأرض وفي الوطن لتشغيل أبناء الوطن، وكل هذا المبلغ لا يزيد كثيرا على ميزانية مصروفات الخطوط السعودية لهذا العام. إن هذا الاستثمار ضروري لأنه يتماشى مع خطط التنمية في التنمية المتوازنة وتخفيف الهجرة، وفي مشاركة القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والصادرات الصناعية وتشجيعها، ويتماشى مع استراتيجية مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بإقامة المناطق والمجمعات التقنية المتخصصة في المجالات الاستراتيجية وإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة مبنية على العلوم التقنية. علينا أن نستثمر فوائض الميزانيات وغيرها في نشاطات منتجة تخدم خطط التنمية قبل أن نربط الأحزمة ونندم على عدم الاستخدام الأمثل لموارد الدولة. إن وزير التجارة والصناعة مسؤول عن إقناع وزير المالية وأعضاء اللجنة العامة في مجلس الوزراء بتخصيص 24 مليار ريال للهيئة، أو يشرحون لنا أسباب ممانعتهم. ولقد خصصت الهيئة أخيرا 407 قطع أراض لمصانع برأسمال 24 مليار ريال "الاقتصادية 13.1.2009"، وباستثمار لا يزيد على نصف مليار ريال أي بمردود مباشر 50 ضعفا، أليس هذا مردودا كافيا ودليلا مقنعا لأولي الألباب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي