نمتلك القدرة على صناعة السيارات.. والأزمة المالية العالمية فرصتنا الحقيقية

نمتلك القدرة على صناعة السيارات.. والأزمة المالية العالمية فرصتنا الحقيقية

تعد صناعة السيارات من الصناعات الكبيرة التي تحتاج إلى تقنية عالية وأبحاث كثيرة ورأسمال ضخم، وتسيطر عليها دول العالم الأول، وتعد من أهم روافد الاقتصاد فيها، وكثير من الدول تحاول البدء في هذه الصناعة، فتعد صناعة السيارات حلم كثير من السعوديين، حيث تعكس السيارات ثقافة الدول التي تصنعها.
ويعد الدكتور فهد الدهيش أحد السعوديين الذين يراودهم الحلم بدخول هذه الصناعة ومن أوسع أبوابها، ولم لا فالسعودية تمتلك المواد الخام ورأس المال الكافي والدعم من الحكومة. حاورنا الدكتور فهد الدهيش وسألناه عن هذه الصناعة وما متطلباتها وما ينقص المملكة لدخول هذه الصناعة، لا سيما وهي تمتلك السوق الأكبر في المنطقة، وكان هناك الحوار التالي:

ما الدافع الأول لتخصصك ودراستك مرحلة الدكتوراه في مجال السيارات؟
تخصصت في الهندسة الصناعية، التي تهتم بإدارة وتنظيم وتصميم المصانع وكيفية ربط وتفعيل جميع التخصصات الهندسية الأخرى مثل: الهندسة الكهربائية والميكانيكية والكيماوية والتي تهتم بعلم الجزيئات، حيث إن الهندسة الصناعية هي المسـؤولة عن حركة ونمو ونشاط المصنع كمجموعة متكاملة،
فمصانع السيارات في العالم تنتج ما لا يقل عن 75 مليون سيارة في العام، نصيب المملكة منها نصف مليون سيارة سنوياً، فإذا قارناه بالأسواق الأخرى فهو لا يمثل الشيء الكبير لشركات السيارات أو جاذب لها، ولكن في الجهة الأخرى نجد أن نسبة النمو في السوق السعودية تراوح بين 5 إلى 7 في المائة، وهو الأمر الذي يجعل من الممكن أن يكون هنالك مصانع سيارات في السعودية، (والجدول الإحصائي رقم 1 يبين الإحصائيات الرقمية المهمة في هذا الجانب)، فالمصانع تحتاج في البداية إلى المواد الخام والتي نمتلك منها 40 في المائة، والأيدي العاملة، ورأس المال، وأن يكون هناك منافس سعري، حيث تكون منافسة الأسعار بين الشركات متقاربة ومعقولة، ولكن السؤال المطروح هل سنستطيع فتح مصنع للسيارات؟ فإجابتي ستكون نعم.

تحتاج هذه النوعية من المشاريع إلى رساميل ضخمة للغاية، هل لدينا رأسمال جريء للدخول في هذه النوعية من المشاريع؟
كما ذكرت قبل قليل هذه المشاريع تحتاج في البداية إلى دعم حكومي ولو كان مشروطاً، بمعنى إذا كانت نسبة السعودة على سبيل المثال 30 في المائة، على هذا يحق للشركة أن تشترط على الحكومة شراء 30 في المائة من إنتاج المصنع، وبهذا يتم ضبط عملية التوظيف وإيجاد السيولة الكافية، وهذا النوع من المشاريع في بداياته يحتاج إلى أن تكون الحصة السوقية تراوح بين 10 و15 في المائة، بمعنى إذا كان حجم السوق نحو 500 ألف سيارة، فنسبة هذه الشركة الجديدة لا يتخطى على أقصى حد أكثر من 100 ألف سيارة، وهذه النسبة تكون موزعة بين الحكومة وسوق الأفراد، فهذه المشاريع تحتاج إلى رأسمال كبير ولكن عائدها المالي مجزي للغاية.

تعاني كثير من شركات السيارات في الوقت الحالي مشكلات مالية وإدارية، حتى إن بعضها كان على وشك إعلان إفلاسه، ما السبب في ذلك؟
كثير من شركات السيارات قد توسعت في إنتاجها وفي إنشاء مصانع جديدة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يتطلب التوسع في القروض، إضافة إلى أن أغلب مبيعات السيارات في أمريكا هي بالتقسيط، وبعد ذلك ارتفع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، فلم يعد أحد يستطيع التسديد، وبالتالي بدأت البنوك بسحب هذه السيارات، الأمر الذي أدى بفعل الوقت إلى شح السيولة، الأمر نفسه ينطبق على الدول الأوروبية، أما لدينا في الدول النامية فلدينا في الوقت الحالي أكبر فرصة لإنتاج السيارات، فكثير من الدول النامية تستفيد من مثل هذه النوعية من الأزمات لإنشاء صناعة جديدة، فمصائب قوم عند قوم فوائد، ففي السعودية حالياً تشير الأرقام إلى أن الميزانية في أقوى مراحلها، وأن القوة الشرائية لدى الأفراد لم تتأثر كثيراً بفعل هذه الأزمة.

عندما تبدأ أي شركة في العالم بالعمل على منتج معين تكون البدايات ضعيفة، هل سيؤثر ضعف جودة السيارة في حال تم إنشاء مصنع في المنطقة في سمعتها لدى الأفراد، لا سيما ونحن نعيش تنافسا كبيرا بين الشركات العالمية لنيل رضا المشتري؟
هذا الأمر يعد طبيعياً في أي صناعة، وهذا ما دعاني لقول إن النسبة التسويقية يجب أن تراوح بين 5 و10 في المائة من حجم السوق في البداية، لأن الشركة في بدايتها لن تستطيع إقناع الأفراد على شراء منتجاتها، وهذا الأمر يتطلب فترات طويلة قد تصل من خمس إلى عشر سنوات حتى تصنع اسما قويا ومنافسا، وبعد ذلك ترفع معدل حصتها السوقية، فالحل الأنسب هو التعاون مع شريك أجنبي لديه خبرة طويلة في هذا المجال كما حدث مع الماليزيين.

لطالما ارتبطت عاطفة كثير من الشعوب بمنتجاتها من السيارات، فالإنجليز يفتخرون بـ "الرولز رويس" و"الرانج روف"، والألمان يفتخرون "بالمرسيدس" و"البي إم دبليو"، لماذا ارتبطت صناعة السيارات بالحس الوطني للشعوب أكثر من أي صناعة أخرى؟
في بداية القرن الماضي كانت بداية انطلاق صناعة السيارات في العالم، من سيارات وقطارات وشاحنات وغيرها، فهي أكبر وأقوى صناعة في العالم، وتحت ظلها تعمل أكثر من 20 صناعة أخرى، وصناعة السيارات تعد ثروة للشعوب، ولكن ليست كالثروات التي تستخرج وتباع جاهزة كبقية الثروات، بل هي ثروة فكرية وجهد لأبناء هذه البلاد، ويحق لهم أن يفتخروا بما يصنعه أبناء جلدتهم.

تسببت الأزمة العالمية بأضرار كبيرة في كثير من دول العالم، وكان أكثر القطاعات المتأثرة قطاع البنوك والسيارات، في رأيك كيف السبيل إلى إنقاذ صناعة السيارات من هذه الأزمة؟
الكل يعلم أن هذه الأزمة أثرت في كثير من القطاعات مثل العقار والسيارات والبنوك وغيرها، فكثير من المشاريع توقفت، والأزمة ما زالت مستمرة، والخروج من هذه الأزمة معلن ومعروف، فعام 2009 سيكون عمق الأزمة بالنسبة لكثير من القطاعات، فحالياً سيتم إلغاء البيع بالأقساط، وهذا سيحرك قليلاً السيولة داخل البنوك والشركات.
وأعود إلى نقطة مهمة، وهي أن الفرصة الآن ذهبية للدخول مع هذه الشركات والمصانع لدعمها والدخول معها في شراكات، فهي حالياً في أمس الحاجة إلى من يدعمها لمواجهة الأزمة العالمية، لو استطاع رجال الأعمال السعوديون والخليجيون الدخول في هذه السوق واستقطاب الشركات الموردة لشركات السيارات، فأنا شخصياً أعتقد أنهم سينجحون، والفرصة هذه لن تتكرر.

هل تعتقد أن هذه الأزمة قد أثرت في مبيعات السيارات في الخليج؟
هذه الأزمة لم ترحم أحدا، ولكننا في السعودية نعد أقل المتضررين، فدبي مثلاً تأثرت بشكل كبير لاعتمادها على الشركات الأجنبية بنسبة كبيرة، أما في السعودية فنحن في مأمن، والميزانية التي أعلنت أخيرا هي خير دليل على ما أقول، والآن بدأت شركات السيارات في العالم بخفض إنتاجها بمعدل 30 في المائة للمحافظة على الأسعار.

هل ستتغير الفئة السعرية للسيارات هذا العام، وهل سيكون هناك أي انخفاض؟
لا أعتقد أنها ستنخفض، بل ستبقى على وضعها أو من الممكن أن تزيد، لأنها منطقياً ستحاول تعويض خسائرها، فالسيارة سلعة مطلوبة، ولا تستطيع أي حكومة أو شركة أو حتى أفراد أن يستغنوا عن السيارة، لأنها أصبحت من الحاجات اليومية الضرورية، وارتفاع الأسعار يكون متوافقاً مع ارتفاع معدل التضخم أيضاً، وارتفاع أسعار المواد الأولية.

ما النصيحة التي توجهها لرجال الأعمال السعوديين للنهوض بهذه الصناعة؟
صناعة السيارات هي حلم بالنسبة لكثير من السعوديين، وهو مطلب وطني قبل أن يكون الهدف تجاريا، وأعتقد أن الحكومة يجب أن تقدم ضمانات لهذه الصناعة، فالهدف ليس دفع مبالغ طائلة لإرباح التجار، بل لدعم هذه الصناعة، وهو معمول به في أنحاء العالم كافة، من أجل توطين العمالة وإنقاص معدل البطالة، وعوامل النجاح كلها موجودة لدينا، المواد الخام البتروكيماوية والألمنيوم، ورأس المال، واليد العاملة موجودة، والشاب السعودي أثبت نجاحه وتفوقه في المجالات التقنية، ويحتاج فقط إلى إعطائه الفرصة، فلدينا من 30 إلى 40 في المائة من المواد المحلية الكافية لتصنيع السيارة، والبقية سيتم استيرادها، ومع الوقت سترتفع النسبة المحلية لا محالة لتصل إلى 60 في المائة من أجزاء السيارة.

الأكثر قراءة