رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أوباما.. تغيير خريطة الاستثمارات الأجنبية

أدى باراك أوباما أمس الأول القسم رئيساً للولايات المتحدة ليكون الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة في نقلة نوعية للاقتصاد السياسي الأمريكي من منهجية الحزب الجمهوري إلى منهجية الحزب الديمقراطي.
يقود هذا الحدث إلى مراجعة سياسة الحزب الديمقراطي الاقتصادية ومحاور ارتكازها مقارنة بسياسة الحزب الجمهوري الاقتصادية ومحاور ارتكازها. الدافع خلف هذه المراجعة ما قد يطرأ من تغيير على السياسة الأمريكية الاقتصادية في مجال إعادة توزيع خريطة الاستثمارات الأجنبية بين الاقتصادات الناشئة.
من الأهمية بمكان قبل الخوض في هذا الموضوع مراجعة منهجية تصنيف اقتصادات العالم إلى دول متقدمة وناشئة. تعود أصول هذا التصنيف إلى الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي عندما صنف عالم جغرافيا السكان الفرنسي الفريد سايفي اقتصادات دول العالم إلى ثلاث فئات.
أطلق على الفئة الأولى اسم "الدول الصناعية الرأسمالية"، وضمت جميع اقتصادات الدول الصناعية الموالية للمعسكر الرأسمالي. وأطلق على الفئة الثانية اسم "الدول الصناعية الاشتراكية"، وضمت جميع اقتصادات الدول الصناعية الموالية للمعسكر الشيوعي. وأطلق على الفئة الثالثة اسم "العالم الثالث"، وضمت جميع الاقتصادات المتبقية، التي لا يمكن إدراجها ضمن الفئة الأولى، أو الثانية.
تباينت وجهات نظر الأوساط الدولية حول عدالة هذا التصنيف بين الرفض، والقبول. اعتمدت وجهة النظر الرافضة للتصنيف على أن مجموع سكان الفئة الثالثة، "العالم الثالث"، يشكلون قرابة 75 في المائة من سكان العالم. وبالتالي فالحكم على التوجه السياسي لسكان هذه الدول يشوبه نوع من الشكوك.
واعتمدت وجهة النظر القابلة للتصنيف على أن نسبة مساهمة دول الفئة الثالثة، "العالم الثالث"، في الإنتاج الصناعي لدول العالم مجتمعة لا يتعدى قرابة 20 في المائة. وبالتالي فإن هذه الدول تحتاج إلى عقود طويلة من الزمن حتى ترتقي إلى مصاف الدول الصناعية.
من الأوساط الدولية التي قبلت تصنيف دول العالم إلى "رأسمالية"، و"اشتراكية"، و"عالم الثالث" مجموعة البنك الدولي عندما اعتمدت التصنيف، منذ صدوره، كأحد المعايير الرئيسة لتقديم المساعدات المالية والفنية لـدول العالم الثالث، وحتى عام 1981، عندما عدًلت اسم "العالم الثالث" إلى اسم "الأسواق الناشئة" في قصة مفيدة توضح الهدف من تعديل الاسم.
ففي عام 1981م، أنشأ البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية صندوقا استثماريا يهدف إلى تشجيع القطاع الخاص في دول الفئة الأولى، "الدول الصناعية الرأسمالية"، على الاستثمار في "العالم الثالث". وخلال إحدى الندوات التسويقية للصندوق، اعترض أحد الحضور على اسم "العالم الثالث"، موضحا أنه من الصعب إقناع الشركات الاستثمارية في "الدول الصناعية الرأسمالية" بضخ استثماراتها في عالم ثالث. قبل البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية الاعتراض شكلاً، ومضموناً، وعدّل اسم "العالم الثالث" إلى "الأسواق الناشئة"، كمجرد وسيلة تسويقية لا أقل، ولا أكثر.
استمر تدفق استثمارات القطاع الخاص في "الدول الصناعية الرأسمالية" إلى "الأسواق الناشئة" على شكل استثمارات مباشرة منذ تغير الاسم وحتى اليوم، وبتنسيق مستمر مع مجموعة البنك الدولي.
لعل من أهم الأسواق الناشئة التي استقطبت تدفق هذه الاستثمارات السوق الصينية، عطفا على برنامج دنج سياو بنج لإصلاح الاقتصاد الصيني في منتصف السبعينيات الميلادية، وما تلاه من سياسات انفتاحية على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بدءا من إصدار أذونات الخزانة لأول مرة في 1981، مروراً بإنشاء السوق الثانوية في 1987م، وصولاً إلى فتح أسوق شانغهاي، وشنتشينج المالية في 1990م، و1991م، على التوالي.
حدث تطور مهم خلال الحقبة الثانية للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عندما أعلنت مجموعة كارليل الاستثمارية تصنيفا جديدا للأسواق الناشئة إلى ثلاث فئات. اعتمد التصنيف على أربعة عوامل: درجة انفتاح السوق الناشئة على استثمارات القطاع الخاص في "الدول الصناعية الرأسمالية"، إجمالي الناتج المحلي للسوق الناشئة، ربحية الاستثمارات الأجنبية المباشرة القائمة، وتوافر التمويل المناسب من قبل المصارف المحلية.
وقبيل ذكر التصنيف الجديد، والدول المندرجة تحت كل فئة، فإنه من الأهمية بمكان توضيح موقع مجموعة كارليل الاستثمارية من التأثير في توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الأسواق الناشئة. تتخذ المجموعة من العاصمة الأمريكية مقرا رئيسيا لها، وتدير استثمارات تفوق 40 مليار دولار أمريكي. يستحوذ القطاع الخاص الأمريكي على 65 في المائة من حجم استثمارات المجموعة، والأوروبي 25 في المائة، والياباني 6 في المائة، وتتقاسم بعض الدول من الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية نسبة الاستثمارات المتبقية.
تتباين مجالات استثمارات المجموعة بين شركات الدفاع، الطاقة، التقنية، الاتصالات، والإعلام. كما تتميز المجموعة بعلاقة وثيقة مع مجموعة البنك الدولي ما أسهم إلى حد كبير في التنسيق البيني بين مشاريع البنك التنموية، ومشاريع المجموعة الاستثمارية، في الأسواق الناشئة.
بناءً على عوامل التصنيف، وموقع مجموعة كارليل الاستثمارية في خريطة استثمارات الأسواق الناشئة، أطلقت المجموعة على الفئة الأولى اسم "أسواق ناضجة". ورشحت أسواق هذه الفئة لاستقطاب معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال نصف العقد الحالي. أدرجت تحت هذه الفئة ثماني أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: الصين، الهند، البرازيل، روسيا، المكسيك، كوريا الجنوبية، تايوان، وجنوب إفريقيا. كما أطلق على الفئة الثانية اسم "أسواق شبه ناضجة 1". أدرجت تحت هذه الفئة ثماني أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: تركيا، تايلاند، الأرجنتين، بولندا، الفلبين، السعودية، مصر، وماليزيا. رشحت أسواق هذه الفئة للارتقاء إلى درجة "الأسواق الناضجة"، وبالتالي استقطاب معظم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال النصف الأول من العقد المقبل. أطلق على الفئة الثالثة اسم "أسواق شبه ناضجة 2". أدرجت تحت هذه الفئة سبع أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: جمهورية التشيك، تشيلي، المجر، نيجيريا، الإمارات، الكويت، والأردن. رشحت هذه الأسواق للارتقاء إلى درجة "الأسواق الناضجة"، وبالتالي استقطاب معظم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال النصف الثاني من العقد المقبل.
يمثل تصنيف مجموعة كارليل الاستثمارية للأسواق الناشئة في مضمونه جانب "طلب" للاستثمارات الأجنبية المباشرة. يقابل هذا الجانب مقومات "عرض" مقدمة من السوق السعودية، من أهمها نشأة منظومة المدن الاستثمارية الخمس، وانفتاح السوق المالية السعودية التدريجي على الأسواق المالية المتقدمة.
تأدية باراك أوباما أمس الأول القسم رئيساً للولايات المتحدة هو في حد ذاته تغيير في منهجية الاقتصاد السياسي الأمريكي عطفا على تباين أولويات الاقتصاد بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. يقود هذا التباين إلى احتمالية إعادة توزيع خريطة الاستثمارات الأجنبية بين الاقتصادات الناشئة. يلزم هذا الاحتمال منظومات الدول الناشئة بشكل عام والاقتصاد السعودي بشكل خاص على ترتيب الأوراق الاقتصادية بما يضمن استدامة منظومة الاقتصاد السعودي في مراحل التنمية المعدة خلال الفترة الزمنية المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي