ديمقراطية إرهابية
ماذا يعني: أن توشك رئاسة أولمرت على النهاية, فيتنافس الساسة ورؤساء الأحزاب الديمقراطية على تبني خيار الحرب, وإصدار التصريحات الإرهابية؟
وماذا يعني: أن تقترب الانتخابات الديمقراطية في تل أبيب (تل الربيع بفلسطين المحتلة) فتزداد شهية الساسة الإسرائيليين للحرب, وتزداد نهمة وزير الدفاع اليهودي في الدماء الفلسطينية؟
أليس لأن الدولة ديمقراطية, والديمقراطية تعني اختيار الشعب للحزب الحاكم, والشعب اليهودي دموي ويريد الدماء الفلسطينية تسيل في الأزقة والشوارع, ولهذا يتسابق الساسة, ووزراء الحرب والدفاع, ورؤساء الأحزاب, لخطب ود الشارع اليهودي عبر تلك التصريحات الإرهابية, والممارسات الدموية؟ بلى, والله إنها ديمقراطية إرهابية بكل المقاييس!
وما أقبح هذه الديمقراطية التي تدفع الساسة الإرهابيين إلى مزيد من العنف والإرهاب, وإلى المتاجرة بالدم الفلسطيني عبر صناديق الاقتراع!
لقد كشفت الحرب اليهودية القذرة أن الديمقراطية لها صور مختلفة, وأشكال متعددة:
فيمكن أن تكون وقوداً لحرب ظالمة.
ويمكن أن تكون شبحاً وشيطاناً رجيما.
وبعد هذا كله, هل يصح أن نبالغ في الثناء على الديمقراطية, وفي إطرائها بكل وسائل الإطراء؟
لقد كشفت هذه الحرب اليهودية النجسة, وما سبقها وتلاها من استطلاعات رأي الشارع اليهودي, إن المفاوضات والتسوية المتخاذلة لا تنتزع حقا, ولا تسترد أرضا, وأن المقاومة الشريفة هي السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق, واسترداد الأراضي.
كما كشفت هذه الجرائم اليهودية البشعة على أرض غزة, عن أمور مهمة, منها:
1- إنها أبرزت الحقد اليهودي, وولهه في دماء الأطفال والنساء والرجال, وفي تدمير الشجر والحجر, وأن الحقد اليهودي يزيد بمرور السنين, ويتضاعف, كالسرطان الذي يبدأ صغيراً, ثم يكبر ويستشري في سائر الجسد حتى يفتك به.
2- إنها أبرزت ضعف مجلس الأمن, وعدم قدرته على مواجهة الغطرسة اليهودية, وأنه موجه عن بُعد بـ (الريموت كنترول) الأمريكي!
3- أنها أظهرت الفشل الذي منيت به الأنظمة التي نشأت في ظل الاحتلال, وترعرعت على عينه, وأن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يراهن على مثل هذه الأنظمة, والتي خذلته في أحلك الظروف, وأشد الأزمات, بل ربما كانت متورطة في تعاون استخباراتي, كما ألمح إلى ذلك أحد ساسة فصائل المقاومة.
4- إنها فضحت الطابور الخامس في البلاد العربية والإسلامية, فأزاحت القناع عن وجوه كالحة, رفعت صوتها عالياً مع المحتل, باحثة له عن ذرائع باطلة للحرب الظالمة, سواء على مستوى مثقفين ومفكرين, أو على مستوى كتاب وإعلاميين, ولا أدري كيف يمكن للذرائع الباطلة أن تكون بوقاً أو سياجاً لسرطان وجد فجأة في جسد الأمة!
5- أنها وحدت العرب والمسلمين تجاه قضيتهم العادلة, حيث امتدت شوارع الغضب من الشرق إلى الغرب, ومن الشمال إلى الجنوب, كاشفة عن مخزون الطاقة الشعبي للعرب والمسلمين, وما يكنونه من غيرة للإسلام والمسلمين, بل وأظهرت هذه الحرب أن لدى بعض الكفار عاطفة جياشة تجاه المظلومين والمستضعفين, وقد كشف عن هذه الصفة عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال حين قال في الروم: (إن فيهم لخصالاً أربعاً, إنهم لأحلم الناس عند فتنة, وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة, وأوشكهم كرة بعد فرة, وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف, وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك) فأخبر ـ رضي الله عنه ـ أن مما يتصف به الرومان - وكانوا نصارى في ذلك الوقت - أنهم يحنون على المسكين واليتيم والضعيف, وربما كان هذا من أسباب كونهم أقرب مسافة للمسلمين من اليهود بكثير, كما أخبر بذلك ربنا جل وعز حين قال: (..ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى).
6- إن هذه الحرب الظالمة, أبرزت معالم الفرق بين المقاومة والإرهاب, فالمقاومة في غزة تدافع عن أرضها, وتدفع عن رجالها ونسائها وأطفالها, أما الإرهاب فهو الذي يستهدف الإنسان والحيوان والبنيان, ولا يفرق بين الشجر والبشر, كما هم اليهود بامتياز, ساسة كانوا, أم قادة, أم جنداً, أم شعباً يصوت له, ويهتف باسمه (... كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله, ويسعون في الأرض فسادا).
ولا أملك في ظل انتصار المقاومة, إلا أن أقدم الشكر والتحية لأولئك الأشاوس الأبطال في أرض غزة, والذين دافعوا عن الأمة العربية بالوكالة, وأعطوا اليهود درساً لن ينسوه, ومن يقرأ بعض الصحف اليهودية هذه الأيام يجد واضحاً شعورهم بالهزيمة, وأنهم لم يحققوا شيئاً من أهداف الحرب التي تحدثوا عنها سلفا, ومن أبسط حقوق المقاومة أن يفتح لها معبر رفح العربي, وأن يعاد إعمار غزة بإشراف سعودي مباشر, حتى نتحقق من وصول الأموال لأهل غزة المنكوبين, كان الله في عونهم, آمين, آمين.