رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إنه الاقتصاد يا ذكي

يعتبر بعض المفكرين الإنسان هو البعد الذاتي (الإنساني) للتنمية على اعتبار أنه غاية التنمية ووسيلتها, بينما يعتبرون مجالات التنمية (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية) تمثل البعد الموضوعي للتنمية، ويؤكد هؤلاء المفكرون أن الإنسان يجب أن يكون الأكثر تأثيرا في مستوى مجالات التنمية بدل أن يكون الأكثر تأثرا, حيث يفضي ذلك إلى النمو والتطور لكون الإنسان أكثر قدرة على التفكير والابتكار والتطوير.
والسؤال المهم الذي يخطر على بال كل مفكر في مجالات التنمية كافة: أي المجالات يمكن أن يكون الأساس الذي يتم البناء عليه لنوجه جهود الإنسان له للنهوض به لينهض ببقية المجالات بشكل متسارع يتناسب ومعدلات النمو العالمية؟
من الواضح أن جميع دول العالم الأول جعلت من المجال الاقتصادي أساس التنمية لجميع المجالات الأخرى، وهو ما جعلها تتوسع في إيجاد أدوات متنوعة وفاعلة في تنمية هذا المجال الأهم, ومن ثم هيكلة جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية بما يجعلها فاعلة في تنميته من ناحية وفاعلة في تنمية ذاتها من ناحية أخرى، وهو ما أدى إلى تحقيقها معدلات نمو هائلة فاقت ما تحققه دول العالم الثاني والثالث بشكل كبير أفضى إلى فجوة كبيرة يصعب ردمها بالهياكل القائمة بحال من الأحوال.
الشركات الكبرى الناشئة في العالم الأول, التي عبرت القارات بفروعها وأنشطتها ومواردها ومنتجاتها وأسواقها وحققت معدلات نمو كبيرة في بيئات متكاملة النمو في جميع المجالات, أخذت تعاني تخلف البيئات في دول العالم الثالث النامي التي عبرت إليها، وهو ما جعلها تتحرك بأدواتها الجبارة لإعادة تشكيل تلك البيئات لصالحها لتعزيز محفزاتها وإزالة عوائقها، وكان أن طرحت مشروع اتفاقية الغات التي تطورت لمنظمة التجارة العالمية التي لا يمكن لأحد أن ينشط اقتصاديا خارجها.
منظمة التجارة العالمية لا يمكن الانضمام إليها دون اجتياز جملة من الشروط والمعايير تحسن في محصلتها البيئة الاستثمارية في الدول الراغبة في الانضمام لمصلحة الشركات العملاقة العابرة للقارات تماما, كما تتيح فرص لاقتصادات تلك الدول للنمو يمكن اغتنامها حال فهم اللعبة الاقتصادية وإلا تحولت تلك الفرص إلى مخاطر تدمر الاقتصاد الوطني لأي دولة في أيام معدودات، والأمثلة كثيرة ومعروفة.
الدول التي استوعبت هذه التطورات وأعادت هيكلة جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لاغتنام الفرص المتاحة, نجحت ونمت وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الدول المتقدمة (كوريا الجنوبية وماليزيا مثالان)، أما الدول التي لم تستوعب التطورات, أو استوعبتها وتأخرت في إعادة الهيكلة على حالات ثلاث, فمنها التي تراجعت، ومنها التي مكثت على حالها، ومنها ما تتقدم ببطء لا يقارن بمعدلات النمو العالمية. ولاشك أن الظروف الاقتصادية لكل دولة, خصوصا فيما يتعلق بنوعية الموارد الطبيعية وحجمها تلعب دورا كبيرا في وضع كل دولة اقتصاديا، حيث أسهمت الظروف في توفير إيرادات كبيرة لمن يملك موارد طبيعية مثل النفط أو المعادن النفيسة في التخفيف من مخاطر العولمة الاقتصادية التي سُبِقت بعولمة اتصالية أعادت تشكيل الوعي العالمي في المجالات كافة.
في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية, كما هو الحال في الأزمات الاقتصادية الماضية, نقف وجلين من تداعياتها على الدخل الوطني وعلى إجمالي الناتج المحلي وعلى كم ونوع الوظائف ومعدلات الأجور، وبالتالي على مستوى معيشتنا بالمحصلة لعلمنا أننا ما زلنا نعتمد على النفط متذبذب الأسعار كمصدر دخل رئيس، وبالتالي فإننا نعتمد بشكل رئيس على الإنفاق الحكومي كما ونوعا فتجد أعيننا ترقب أسعار النفط كما ترقب التقارير التي تتحدث عن الاكتشافات الجديدة لحقول الطاقة ولبدائلها, كما نرقب الموازنة الحكومية وأبوابها، أي أننا لا نرقب أسواقنا وقدرتها على الابتكار والإبداع والإنتاج والتطوير لتخرج بنا من هذه الأزمات الاقتصادية المتتالية في منطقتنا نتيجة الحروب العسكرية والاقتصادية التي لا تقف ولا تهدأ.
كلنا يعرف أن المجال الاقتصادي في بلادنا مجال ناشئ لم يصل إلى مرحلة النضج, حيث ينقصه كثير من المفاهيم والقيم والأنظمة والتشريعات، كما ينقصه كثير من المؤسسات التنظيمية والمؤسسات الخاصة الفاعلة, فضلا عن مؤسسات المجتمع المدني الضرورية مثل الجمعيات المهنية التي تنظم المهن وتطورها وتفعل مواردها البشرية وتحمي حقوقهم. هذه الأسباب وغيرها تجعلنا نتوجس خيفة من الانفتاح الاقتصادي الذي سيؤدي إلى مبارزة اقتصادية غير عادلة بين دول متطورة اقتصاديا بشكل كبير وأخرى تخطو خطواتها الأولى في هذا المجال باتجاهات متعددة, وقد تكون متضاربة.
ختاما فإنني أجزم بأننا في أمس الحاجة إلى إعداد خطة رئيسة للبلاد master plan للتنمية الاقتصادية تستند إلى المتغيرات العالمية القائمة والمستقبلية تشتمل على برامج عمل وخطط تنفيذية (ليست خطة أمنيات) تخدم الرؤية التي نسعى إلى الوصول إليها، خطة يمكن لأي منشأة حكومية أو خاصة أو غير ربحية, فضلا عن الأفراد الاطلاع عليها والتعرف على مكوناتها ليتمكنوا من صنع قرارات سليمة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتجانس مع الخطة الرئيسة بما يعزز تحقيق أهدافها بصورة أو بأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي