سلام بقعة السراب والحرب على غزة (3 من 3)
في هذه السلسة من المقالات تناولت في المقال الأول المبررات التي يسوقها من يؤيدون العدوان الصهيوني سواء من خارج المحيط العربي أو من داخل البيت العربي, ومن داخل البيت الفلسطيني تحديداً. أما المقال الثاني فكان تحليلا للشخصية اليهودية من خلال أربع مرجعيات مهمة وموضوعية, وتبين لنا أن الشخصية اليهودية سواء في سماتها, وخصائصها الإيجابية, أو السلبية, ذات نسق ثابت عبر العصور والأزمنة, ولذا لا غرابة أن نرى العدوان والدموية يلازمان هذه الشخصية في مسيرة حياتها, ومهما اختلفت الأماكن التي توجد فيها.
وفي هذا المقال نحاول عرض كيف يمكن أن يتغير الوضع العربي بغرض مواجهة الأزمات التي تواجه الأمة منذ عقود. ولو أخذنا أداء النظام الرسمي العربي والأداء الشعبي إزاء جريمة الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة لساعدنا هذا على معرفة الإيجابيات, والسلبيات ورسم ما يجب أن يتم لإحداث التغيير المنشود. يبدو أن أداء النظام العربي الرسمي يتسم بشيء من الخمول, إن لم يكن الجمود, وحسن الظن الذي يصل إلى مرحلة الاستغفال من قبل الآخرين, وبالأخص النظام الصهيوني ومن يسانده. قبل أيام من الحرب على غزة كانت الدبلوماسية الإسرائيلية تتحرك بذكاء بهدف تطمين العرب والفلسطينيين من أنه لا نية للكيان الصهيوني للعدوان على غزة, وأبرز ما سبق الحرب زيارة وزيرة خارجية الكيان الصهيوني لمصر قبل الحرب بيوم واحد, وكم آلمتني صورة ليفيني وهي تنزل من سلم القصر الجمهوري في القاهرة وإلى جوارها وزير خارجية مصر أبو الغيط وهو يساعدها على النزول من السلم, وهي تبتسم وكأني بابتسامتها ابتسامة استخفاف بالمضيفين الذين لا يعلمون ماذا يخطط له, وكيف يستخدمون لتنفيذ المخطط. كما أن زيارة أولمرت لتركيا وما أعقبها من تصريح للرئيس السوري بعد زيارة أولمرت لتركيا حيث قال الأسد قبل الحرب بأيام من أنه لا جدوى من محادثات غير مباشرة, ولا بد من المحادثات المباشرة مع إسرائيل, ثم جاءت الصفعة المدوية باجتياح دموي لا مثيل له. أما التخطيط للعدوان في يوم السبت فهذا يعود إلى تكتيك وذكاء صهيوني ترتب عليه الصدمة والمفاجأة التي قتل بسببها كثير من الفلسطينيين, ومرد ذلك غفلتنا, وظننا الحسن أن الكيان الصهيوني لن يحارب في يوم السبت الذي يمثل عيداً أسبوعياً. الصورة الثانية للواقع العربي تتمثل في التباين الشاسع بين النظام الرسمي العربي والشعوب تجاه العدوان, الذي أظهرت فيه الشعوب حماساً وتعاطفا, بينما التخاذل والتراجع كانا من نصيب النظام الرسمي العربي. كما أن صورة الانقسام العربي برزت بصورة أكبر بين الأنظمة نفسها, حيث اختلف العرب بشأن انعقاد مؤتمر قمة استثنائية تواجه العدوان, ولو بقرارات قد لا يكون لها وجود على أرض الواقع. إن حالة التمزق العربي أحدثت وضعاً يائساً وبائساً في الوقت نفسه, حتى أن لسان حال الشعوب يكرر قول الشاعر عمر أبو ريشة في بيته:
لا يلام الذئب في عدوانه
إن يكن الراعي عدو الغنم
الألم يعتصر قلوب الشعوب العربية والإسلامية, وهم يشاهدون ردود الفعل اللامبالية إزاء العدوان, التي حاولت أن تصور الوضع وتقصره على الجانب الإنساني والإغاثي, وهذا ما لا ترى الأمة أنه كاف, خاصة أن الأمة لديها كثير من المقومات المادية, والبشرية التي تمكنها من مواجهة, ودحر العدوان. تحرك الشارع العربي والعالمي في وجه العدوان يؤكد أن روح العزة والشرف والمنعة لا تزال تسكن كل فرد من أفرادها, ويبقى دور النظام الرسمي العربي كي يستثمر مكونات القوة بدلاً من التخاذل والتراجع. كما أن النظام الرسمي مطالب في هذه الفترة الزمنية الحاسمة بمراجعة واقعه والتعرف على إيجابياته وسلبياته بدلاً من الإصرار على أوهام السلام التي لا تجد صداها لدى الكيان الصهيوني الذي لم يتردد في أن يمزق المبادرة العربية, ويدوسها شارون بقدميه القذرتين أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية الذي ناقش هذه المبادرة, ووافق عليها. إن مراجعة للذات في هذا الشأن وغيره من شأنه أن يعيد اللحمة والقوة للأمة بدلاً من استمرار تمزقها, كما أن الاعتقاد أن المبادرة تحرج العدو وتسحب البساط من تحته أمر لا مؤشرات علمية عليه, فكم من المؤيدين للكيان الصهيوني تراجعوا عن مواقفهم المؤيدة بفعل هذه المبادرة؟!
يقول الباري "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم", فهل نجد الجرأة لمراجعة قناعاتنا, ونعد أنفسنا الإعداد النفسي, الاقتصادي, العسكري, التربوي, وجميع جوانب الاستعداد الذي تتطلبه المرحلة بدلاً من أن نعيش على أوهام السلام مع عدو ليس في ثقافته شيء من السلام؟ بل إن الثقافة السائدة لدى الكيان الصهيوني هي ثقافة العدوان, العنف, والتدمير, وهذا ما نشاهده ويمارسه العدو منذ أن غرس على أرض فلسطين.
من شاهد الجماهير العربية وهي ترفع صور الرئيس الفنزويلي شافيز يدرك خطورة وحساسية وضع الأمة الذي وصلت فيه الشعوب إلى مرحلة اليأس التي تجعلها تبحث عن قيادة تلمس فيها التجانس والتوافق مع أهدافها ومشاريعها التي تخدم الأمة في حاضرها ومستقبلها, ومن يترك الساحة خالية لا يلوم الآخرين حين يتحركون فيها. وهذه سنة الله في خلقه حيث يقول الباري "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم", هل يدرك النظام الرسمي العربي المأزق الذي تعيشه الأمة,والذي لم يكن ليحدث لو تبصرنا في ذواتنا وأعدنا رسم أولوياتنا, وارتقينا إلى مستوى التحديات؟