رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لتكن قمة الكويت قمة غزة

تبدأ اليوم القمة العربية الاقتصادية في الكويت في وقت تمر فيه الأمة بواحدة من أحلك ساعاتها وتعيش ظروفاً قد تجعل من غير المناسب اجتماع قادتها لبحث موضوع غير ملح يحتمل التأخير كموضوع التعاون الاقتصادي العربي في ظل خطورة وإلحاح الوضع في غزة. والحقيقة التي لا جدال ولا مواربة فيها هي أن التشرذم العربي والخلافات العربية ـ العربية وتغليب المصالح الذاتية قصيرة الأفق المتعارضة أحياناً حتى مع المصالح الذاتية الاستراتيجية طويلة المدى, جميعها أسهمت في إضعاف الموقف العربي, بل حتى شله تماماً أمام واحدة من أبشع الجرائم والمجازر في العصر الحديث، ما مكن العدو الصهيوني من تجاهل الموقف الدولي الشاجب لعدوانه ووحشيته. فإن كان أصحاب الشأن, وهي الحكومات العربية, غير مستعدة لاتخاذ موقف موحد يظهر حدا أدنى من الحزم في الدفاع عن قضايا أمتها, فليس من المنطقي أن يكون موقف الولايات المتحدة وغيرها من حلفاء الكيان الصهيوني بحال أفضل.
إلا أن أهم أسباب تدهور الوضع في غزة ووصوله إلى الحد الذي وصل إليه حاليا هو التعامل العربي غير المسؤول مع الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة قبل ثلاث سنوات، حيث كان من الواضح أن هذا الانسحاب جزء من مخطط إسرائيلي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتحويل القطاع إلى سجن كبير تتحكم إسرائيل في معابره وجوه وبحره ، وبدلاً من أن يُفشل العرب هذا المخطط الصهيوني ألزموا أنفسهم بالمشاركة في هذا الحصار, وبالتالي إنجاح المشروع الصهيوني في المنطقة. فالحصار والتجويع اللذان تعرض لهما أهل غزة على مدى ثلاث سنوات في مساحة صغيرة من الأرض لا تزيد على 140 كيلو مترا مربعا، صغرها يتضح عند مقارنتها بمساحة مدينة واحدة كالرياض مثلا التي تزيد على عشرة آلاف كيلو متر مربع، ويعيش فيه مع ذلك ما يزيد على 1.5 مليون فلسطيني، 90 في المائة منهم تحت خط الفقر، ونسبة البطالة بين سكانه تتجاوز 80 في المائة، ويعتمدون كليا تقريبا على معونات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، لم يكن له ما يبرره، وعكس ما كان يجب علينا القيام به في ظل الوضع المزري الذي كان يعانيه القطاع بعيد الانسحاب الإسرائيلي.
فقد كان على الدول العربية أن تتعامل مع الانسحاب الإسرائيلي بطريقة مختلفة تماما، فتضع برنامجاً ضخماً لإعادة الإعمار يضمن تحسين الوضع المعيشي لسكان القطاع وحل مشكلاته المزمنة والحد من البطالة المتفاقمة، ولو قمنا بذلك لحققنا ليس فقط تجنيب سكان القطاع هذه الكارثة الإنسانية التي سندفع جميعاً الآن ثمناً باهظا لها، وإنما أيضا لأصبح الوضع في القطاع مثالاً لما يمكن أن يكون عليه الوضع في الضفة الغربية لو حدث انسحاب إسرائيلي مماثل, وبالتالي شجعنا على حدوثه فعلا. أي أن الدول العربية كانت عند انسحاب الكيان الصهيوني من غزة أمام تحد تاريخي يتمثل في جعل قطاع غزة أنموذجا يؤكد لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين ضخامة المكاسب التي تنتظرهم بإتمام عملية السلام. فلسطينيو بقية الأراضي المحتلة في حاجة لأن يروا أنه بزوال الاحتلال سيقف العالم معهم لتغيير أوضاعهم وحل معضلاتهم المعيشية، والإسرائيليون في حاجة إلى تبديد مخاوفهم من نتائج أمنية خطيرة ستترتب على انسحابهم من بقية الأراضي المحتلة، أي أن عملية السلام برمتها كانت مرتبطة بشكل كامل بإنجاح انسحاب غزة، إلا أننا لم نقم بما يضمن ذلك، وها نحن الآن ندفع ثمن ذلك باهظاً ليس فقط من خلال دماء عشرات الآلاف من سكان القطاع، وإنما أيضا من خلال شرخ هائل في التماسك الاجتماعي والسياسي في العالم العربي قد تكون عواقبه وخيمة وخطيرة جدا.
وإن كنا قد أخطأنا في التعامل مع الوضع في قطاع غزة بعد الانسحاب الصهيوني فيجب ألا نخطئ مرة أخرى بعد توقف هذا الاعتداء الغاشم، فنبادر من الآن إلى رفع الحصار ووضع برنامج شامل طموح لإعادة إعمار القطاع بعيداً عن المماحكات السياسية ونصرة طرف فلسطيني على آخر، وذلك بإنشاء هيئة عربية مستقلة تعمل بشكل مباشر في القطاع وغير مرتبطة بأي طرف فلسطيني مهمتها فقط إعادة الإعمار وخلق مؤسسات إنتاجية تحدث نقلة نوعية في مستويات المعيشة في القطاع تستوعب العاطلين عن العمل وتحيلهم إلى عناصر منتجة ما يحد من الفقر ويبعث الأمل في نفوس سكان القطاع ويحد من التطرف.
فهذا العدوان سيكون على الأرجح قد توقف قبل بدء هذه القمة أعمالها بعد أن اتضح أن الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل عدم اتخاذ أي إجراء على المستوى الدولي يجبرها على وقف عدوانها إلا أنها اشترطت عليها استكمال المهمة قبل موعد تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، وفي ظل عدم قدرة العدو على إخضاع المقاومة الفلسطينية وإجبارها على الاستسلام، فليس أمامه من خيار إلا إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد بعد مسرحية توقيع مذكرة التفاهم في واشنطن التي هدفت فقط إلى حفظ ماء وجه إسرائيل قبل وقف عدوانها. من ثم فالمطلوب من القادة العرب في قمة الكويت ليس وقف العدوان وإنما فقط تغيير الواقع الاقتصادي والمعيشي على الأرض بعد انتهاء هذا العدوان بما يضمن إفشال المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وأمل كل عربي ومسلم أن يثبت قادتنا أنهم قادرون على ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي