وعلى رجال الأعمال حق
تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي، تحت عنوان "رحم الله شعباً عرف نفسه" عن عدم جدية معظم شبابنا في الالتحاق بالأعمال الفنية والمهنية التي تتطلب مجهوداً كبيراً والتزاماً دقيقاً بمواعيد الحضور. وذكرنا أن ذلك ربما يقع تحت مسؤولية الآباء والأمهات الذين لم يحسنوا تربية أبنائهم وإعدادهم ليواجهوا التحديات الصعبة في الحياة.
واليوم سوف نتطرق لمسؤولية رجال الأعمال في بلادنا الذين يملكون المرافق التجارية والصناعية والخدمية تجاه تشغيل أبناء وطنهم، بدلاً من الاعتماد شبه الكلي على العمالة الوافدة لمجرد أنها أقل تكلفة. فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها وزارة العمل، وعلى رأسها الدكتور غازي القصيبي والدكتور عبد الواحد الحميد، وهما من أقدر وأنشط المسؤولين في هذا المجال، من أجل إقناع أصحاب الأعمال بضرورة إحلال المواطنين مكان الوافدين، نجد الأمور تسير بأقل من سرعة السلحفاة. بل إننا لا نكاد نشعر بأن هناك برنامجاً وطنياً يهدف إلى توظيف الشباب، الذين إن لم نحسن توجيههم وكسر فراغهم فسوف يصبحون عالة على المجتمع وبيئة خصبة لنشر العبث واللهو في ظل هذا العالم المفتوح.
رجال الأعمال بطبيعتهم يهدفون إلى جني أكبر كمية ممكنة من الأرباح ومن الممتلكات، فهذه سنة الحياة ومن حقهم أن يفعلوا ذلك، وأبناء البشر مجبولون على حب جمع المال، وإن شئت سمها الأنانية وحب الذات، وعدم الاهتمام بأمور الآخرين، وأغلب بني الإنسان يقدمون مصالحهم الخاصة على المصالح العامة إلا منْ هداه الله. وهنا يأتي دور السلطة التي تحتم عليها مسؤوليتها القيام بتنظيم أمور المجتمع، فلا تترك المجال مفتوحاً أمام كل فرد يتصرف حسب هواه ومصلحته وهو جزء من التركيبة الاجتماعية. فرجال الأعمال يحتاجون إلى تسهيلات ودعم مادي ومعنوي من المؤسسات الحكومية بعد أن يقدموا نتائج الجدوى الاقتصادية لمشاريعهم. وعند هذه المرحلة يتعين أن يطلب المسؤولون من أصحاب المشاريع أن تشمل دراسة الجدوى الاقتصادية لأيِّ مشروع تكلفة توظيف وتدريب "ونؤكد على كلمة تدريب" لا تقل عن 50 في المائة من العاملين في المنشأة في مختلف المهن من المواطنين، مع فرض حد أدنى للمكافآت الشهرية يتناسب مع متطلبات المعيشة في البلاد، حتى لو كان ذلك يفوق مرتّبات العاملين الأجانب في المهن نفسها بنسبة كبيرة. وإذا لم يجد صاحب العمل ذلك مقبولاً فليس لديه أي اختيار إلا أن يتنازل عن إقامة المشروع. أما أن يُترك موضوع تشغيل وتدريب الشباب من أبناء الوطن حسب رغبة أصحاب المنشآت الذين هدفهم الرئيسي جمع أكبر قدر ممكن من المال فهذا لا يصح ويجب ألا يكون مقبولا على الإطلاق. ومن الواضح أن جميع محاولات الاستجداء لتليين قلوب الأثرياء من أصحاب الأعمال من أجل استخدام أبناء جلدتهم بدلاً من الاستقدام من خارج المملكة لم تؤت ثمارها المرجوَّة. ولا بد من أن تصدر النظم والقوانين الملزمة لأصحاب الأعمال من أعلى سلطة في البلاد حتى يتحتم تطبيقها على الجميع. وما المانع من أن نسمي مثل هذا التنظيم الحيوي بين الأغنياء والمستخدمين بمختلف مراتبهم بـ "توزيع الثروة بين المواطنين" حتى لا يكون لدينا الغناء الفاحش والفقر المدقع، وأن يرضى رجال الأعمال بالربح اليسير والمعقول؟
وأغلب الدول في العالم تفرض ضرائب كبيرة على المنتجات والاستثمارات المحلية، بينما الحال في بلادنا عكس ذلك تماماً. فالدولة - حفظها الله - تمنح المستثمرين مساعدات تشجيعية قيمة، إلى جانب الدعم الكبير لكثير من المواد الاستهلاكية ومرافق المنافع العامة مثل الكهرباء والماء. وكل هذه الميزات المادية تصب مباشرة في مصلحة أصحاب الأعمال، فيجب أن يكون لذلك مردود إيجابي من جانبهم تجاه توظيف أبناء وطنهم، وهو حق عليهم لأن الملك لله والوطن للجميع.
ونحن، في الوقت نفسه، نعلم أن هناك صعوبات كثيرة من عدم جدية شبابنا وتسيبهم وقلة التزامهم بقوانين الحضور، يعانيها منهم كل منْ يتعامل معهم، إضافة إلى تكرار انتقالهم من شركة إلى أخرى دون ضوابط تحكم تصرفاتهم، وهو أمر لا يمكن قبوله، ويجب أن توجد له الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة السلبية. فمن الممكن أن تصدر قوانين قوية وصارمة تنظم العلاقات بين أصحاب العمل والمستخدمين على حد سواء تحت إشراف ومراقبة مكاتب وزارة العمل، وهي حتماً ستكون مهمة صعبة لجميع الأطراف ولكنها ضرورية من أجل بناء أسس سليمة لتطوير عملية تشغيل أبناء المجتمع. ومع وجود وتطوُّر الشبكة العنكبوتية ودقة المعلومات الشخصية لكل مواطن، فإن متابعة انتقال الأفراد من شركة إلى أخرى دون رضا الطرفين سوف يكون متيسراً، ومن ثم تُتخذ الإجراءات اللازمة لحفظ حقوق المتضرر.
ونعتقد أنه لا يغيب عن ذهن رجال الأعمال أن تشغيل العمالة الوطنية، مهما ارتفعت تكلفتها مقارنة بما يُصرف على العمالة الوافدة، فإن المردود العام على الاقتصاد الوطني على المدى البعيد سيكون أفضل بكثير، ناهيك عن المكاسب الاجتماعية التي لا تقدر بثمن، كالحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا وأمننا إذا غادر معظم الوافدين.