رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تحديات الاستثمار الأجنبي المباشر في 2009

لا شك أن تبعات أزمة الرهن العقاري التي تحولت إلى أزمة ائتمان ثم إلى أزمة مالية وأصبحت أزمة اقتصادية عالمية تأخذ في التعاظم ككرة الثلج التي لا يعلم أحد متى سيتباطأ تدحرجها. فالتأثير السلبي ألقى بظلاله على القطاع العقاري وقيمه، مروراُ بأسعار الأصول المالية عالمياً وأداء أسواق المال ووصولاً إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي للدول الصناعية والنامية. فالدول الصناعية الأكثر ارتباطاً بالاقتصاد الأمريكي كانت من أوائل المتأثرين بالأزمة المالية نظراً للارتباط الوثيق بين أنظمتها المالية والنظام المالي الأمريكي بجانب العلاقات الوثيقة بين مكونات الاقتصاد الحقيقي ممثلة بحجم الاستثمار الحقيقي البيني والتبادل التجاري في قطاعي السلع والخدمات. لذلك، نلاحظ أن القطاع المالي في الدول الصناعية وأوروبا الغربية خصوصاً كان من أول المتأثرين بالأزمة الأمريكية نظراً لطبيعة العمليات المالية والمصرفية التي تحتم السرعة في تنفيذ العمليات ما أدى إلى السرعة الكبيرة في انتقال الأزمة المالية أيضاً. وبعد انتقال العدوى المالية من الاقتصاد الأمريكي إلى الاقتصادات الصناعية، بدأ تأثر الجانب الحقيقي من الاقتصادات الغربية من خلال قناتين، الأولى هو تأثر قطاعاتها الحقيقية جراء الانقباض الائتماني وشح السيولة في قطاعاتها المالية المحلية ما أدى إلى تراجع التمويل اللازم لعمليات النمو والتوسع في الوحدات الاقتصادية الحقيقية التي تعتمد على السوق المحلية والقناة الثانية تتمثل في تأثر الوحدات الإنتاجية المعتمدة على التصدير بتراجع الطلب الكلي في السوق الأمريكية التي تمثل محركاً لنمو الاقتصاد العالمي. إذن، هناك تفاوت في السرعة والتأثير في عملية انتقال الأزمة المالية والاقتصادية من الاقتصاد الأمريكي إلى الاقتصادات الصناعية نجو عن طبيعة انتقال العدوى المالية والوقت اللازم لانعكاس الأزمة على مكونات الاقتصاد الحقيقي من خلال القنوات المختلفة. هذا التفاوت في سرعة وعمق انتقال الأزمة المالية والاقتصادية يزداد عند تناول الاقتصادات الصاعدة والنامية ومدى تأثرها بالأزمة العالمية. فالهيكل الاقتصادي للدول الصاعدة يختلف عن الهيكل الاقتصادي للدول الصناعية نظراً لاختلاف مرحلة النمو الاقتصادي ومدى الاعتماد على ميزات نسبية وتنافسية تختلف عن تلك التي تعتمد عليها الاقتصادات الصناعية. فعلى سبيل المثال، تعتمد بعض الاقتصادات النفطية الناشئة على تصدير النفط الخام ومشتقاته وبالتالي تتأثر بتراجع الطلب الكلي العالمي على النفط وتراجع أسعاره أكثر من تأثرها بتراجع استهلاك السلع الكمالية في السوق الأمريكية. وعليه، نلاحظ أن تأثر الاقتصاديات الناشئة بالأزمة المالية الأمريكية لم تكن من الدرجة الأولى نتيجة لانتقال العدوى المالية كحال القطاع البنكي في الدول الصناعية ولكن وبشكل أكبر نتيجة لتراجع الطلب الكلي في اقتصاديات الدول الصناعية خصوصاً الاقتصاد الأمريكي.
وبجانب انتقال الأزمة المالية وتأثيرها في اقتصاديات الدول الناشئة عن طريق التأثير في قطاع التجارة الخارجية والتصدير، فإن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الناشئة تأثر بالسلب أيضاًً. فتبعاً لتقرير الوكالة الدولية لضمان الاستثمار والتابعة للبنك الدولي الذي استعرضه الزميل محمد البيشي في صفحة أسواق المال يوم الخميس الماضي، فقد أدت الأزمة المالية والائتمانية الحادة إلى التأثير سلباً في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تراجع الحجم الكلي بنحو 10 في المائة خلال عام 2008 مقارنة بالعام الذي سبقه. كما أشار التقرير إلى أن تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يعود إلى تراجع أداء الاقتصادات الصناعية التي تعد "المحرك الأساسي" لهذا النوع من الاستثمارات. هذا التراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر جراء الأزمة المالية العالمية متوقع لعدة أسباب تتعلق بعامل الثقة, منها ازدياد الشكوك في الأسواق بشأن التصنيفات الائتمانية لوكالات التصنيف الائتماني، صعوبة متطلبات الحصول على التسهيلات الائتمانية، ارتفاع أسعار السلع ومدخلات الإنتاج في العام الماضي، والنظرة التشاؤمية لآفاق الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة المقبلة. وسيؤدي التراجع في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى آثار تبادلية، فكما يتأثر الاستثمار الأجنبي المباشر سلباً بتراجع النمو الاقتصادي فإن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي للدول التي يتراجع فيها الاستثمار المباشر بنسب حادة.
أخيراً، من المهم أن تتم متابعة تحركات الاستثمار الأجنبي المباشر ومعوقات نموها في المملكة خلال العام الحالي حيث إن استخدام التراكمات المالية المتوافرة لتذليل عوائق التمويل لمشاريع الاستثمار الأجنبي العملاقة قد يكون خياراً استراتيجياً نظراً لكون عوائد الاستثمار الأجنبي المباشر طويلة الأمد بطبعها كما أن عوائدها المرتبطة بنقل التقنية وتوطينها قد تؤدي إلى ظهور مكونات نمو اقتصادي تبتعد عن قطاع تصدير النفط إلى قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي