الاغتصاب المالي في النظام "الرأسمالي"

خاطرة وجدانية: أعتقد أن أطفال غزة الشهداء ومن هم في طريق الشهادة، باكون علينا، فيما نعتقد مخطئين أننا من يبكي عليهم ونتقبل العزاء فيهم، وسوف نسأل يومها بأي ذنب قتل هؤلاء! من سيشهد على الآخر يوم لا يوجد فيه تراشق إعلامي ولا إعلاميون يصورون الجلاد ضحية والضحية جلاد، والشهيد قتيل والقتيل شهيد، حتى وإن كانت الضحية طفلة أو طفلا حسب أجندة كل متحدث عن هذه الشخصية! بأي وجه سنقابل شهادة رسولنا الكريم علينا جميعاً؟ "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"؟ (سورة النساء، آية 41)، إنها قمة التراجيديا أن تصل شعوب كاملة إلى نتيجة مفادها أن الموت أفضل من الحياة!
قد يكون الحديث عن المال والرأسمالية في هذه الظروف التي يعيشها عالمنا العربي نوعا من الترف الفكري لدى الكثيرين. لكن حقيقة الأمر أنها من أهم الأمور، لأن ما يجري لإخواننا في غزة وغداً لغيرهم يجب أن يجعلنا نسرع في البناء الحقيقي للأمة بمفهومها الشامل لمواجهة تداعي الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. ومناسبة هذا الكلام هو القمة العربية الاقتصادية في الكويت نهاية هذا الشهر. بعيداً عن نظريات المؤامرة التي سيستخدمها إخواننا الذين يعيشون بين ظهرانينا والمكلفين بدحض هذه النظرية وإنكار وجودها لمجرد أننا نقول كلاماً عن مخططات منشورة وليست سراً. كما أن ذلك يأتي في سياق حديث خادم الحرمين الشريفين حينما أكد أننا نواجه "حرباً اقتصادية"، مما يجعلنا نؤكد أهمية الإسراع في إكمال البناء للأمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. بناء العقول والأسس لقيام أمة من تحت الركام قبل بناء البطون والناطحات الهشة.
وبالعودة إلى العنوان أعلاه حول "الاغتصاب المالي في النظام الرأسمالي"، وحتى لا تتهم النوايا في عصر توزيع التهم المجانية، أؤكد أن المعنى تحديدا "النظام الرأسمالي الغربي". وهذا يعني أن حديثي ليس موجهاً للنظام الرأسمالي بالكامل أو أنه مرفوض كنظام. وقد طرحت غير مرة أن الرأسمالية كنظام عام تحمل في طياتها الكثير مما قدمه الإسلام للعالم كنظام مالي متقدم على الأنظمة الأخرى، وذلك عندما كانت فينا أرواح تقدم وتبدع! والمقصود (بالاغتصاب)، مرة أخرى ليس استخفافا بعقليتك عزيزي القارئ لكنه لرفع الحرج (الفكري)، أقول المقصود بكلمة اغتصاب حسب الصّحاح في اللغة ولسان العرب وتهذيب اللغة للأَزهري: أخذ مال الغير ظلماً وعدواناً!!!
عملياً، نحن خاسرون في هذا النظام مهما زعم القائلون بعكس ذلك. علينا ألا نغتر بما تحقق. نحن الخاسرون ويتم اغتصابنا مالياً كل يوم من خلال هذا النظام الرأسمالي الذي لا نملك فيه أي شيء حتى مواردنا الطبيعية رغم ما يدفع لنا مقابلها. ذلك أنها ملك "المجتمع الدولي" والذي يعني، شئنا أم أبينا، المجتمع الغربي فقط. ونستطيع التأكد من ذلك من خلال اللغة (العنترية) التي يستخدمها الغرب عندما يتحدث عن هذا "المجتمع الدولي".
ورغم هذه السوداوية في تقديم أجزاءً من الصورة، إلا أن الهدف ليس جلد الذات وإنما هو للدفع بفكرة ضرورة العمل بكامل الطاقة لتحقيق الحد الأدنى من المقومات التي نحتاج إليها لمقارعة المجتمع الدولي (المُستَغرب والمُغرب) وحماية أنفسنا ومستقبل أجيالنا القادمة وأمننا الاقتصادي. علمياً، نحن لا نزيد على كوننا سوقاً استهلاكية للمنتجات المستوردة حسب منظريهم، بما في ذلك ما لا يستخدمه إلا نحن، مثل الشماغ! نحن نبيع برميل النفط بـ 40 دولارا ونشتري برميل الكولا بـ 400 دولار! هذه هي المعادلة ونحاول أن نقنع أنفسنا بأنها صحيحة!
كما أن علينا أن لا نعزل ما يجري عن كل سياقاته التاريخية والجغرافية والأيديولوجية. فتلك سذاجة، وكل من يقول عكس ذلك عليه أن يقرأ الدراسات الحقيقية لكثير من المشاريع الغربية المغلفة بعبارات حرية الأسواق والعولمة والمجتمع المدني وما شابهها من عناوين براقة فيها الموت الزؤام ! فرغم حقيقة هذه الشعارات لفظاً، إلا أنها لا تُقبل إلا عندما يكون المقصود (الغرب) وتُرفض عندما تهددها مصالح باقي الجهات (الجغرافية)! ويكفينا للاستشهاد أن نذكر ما حدث من هجمة شرسة على "الصناديق السيادية" قبل أن تحدث الأزمة المالية بشهور قليلة، ويكفي ما حدث لشركة موانئ دبي، وللحكومة الصينية عندما حاولت شراء شركة "مفلسة" متخصصة بتقنيات عالية الدقة. كل القوانين التي تطورت في العقود الأخيرة من فتح الحدود لتدفق الاستثمارات ضُرب بها عرض الحائط من أول اختبار لها في المجتمع الدولي حسب تعريفه (الغربي). إذاً، مشروع الزواج أو (التزاوج) الغرب – شرق -أوسطي، على وزن (التعايش) الفلسطيني – الإسرائيلي، من الغرب فشل! وكل ما سبق يعني أن المسألة لم تكن أكثر من اغتصاب مالي مبطن، وعندما حانت ساعة الحقيقة رُفضت فكرة الزواج الذي كنا موعودين به، واكتشفنا أن هذا المجتمع الدولي كان (يتلذذ) بمعاشرتنا (اقتصادياً) فقط ولا يريد أبعد من ذلك!!
هل تعلمون أنه رغم ما لدينا من ثروات وأموال، إلا أننا نفتقد كافة المقومات الحقيقية لحمايتها! بمعنى لو قرر الغرب فرض حصار اقتصادي علينا أو أصدر تشريعات مالية جديدة فيما يتعلق بأساسيات الرأسمالية، مثلما حدث عندما قررت أمريكا في عز نفوذها العالمي مواجهة مشكلة اقتصادها الداخلي في السبعينيات بإلغاء تغطية دولارها بالذهب، أقول لو قرر الغرب ذلك، فماذا سيحدث لنا ولأموالنا التي أعطيت لنا مقابل مواردنا الطبيعية. وهي - أي أموالهم - ليس لها قيمة حقيقية، إلا إن كانت مدفوعة في سلع تشترى من أسواقهم!!! ذلك هو الغرب، وأولئك هم أطفالنا! فماذا نحن فاعلون؟! والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي