رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المعوقات المحلية لصناعة التأمين السعودية (3)

(المعوق الفني لصناعة التأمين)
تحدثت في مقالتين سابقتين عن المعوقات الموضوعية لصناعة التأمين السعودية وحددتها بمسائل ثلاث وهي معوقات شرعية وثقافية وسلوكية، وسأتحدث في مقالتي هذه عن معوق مهم يعترض صناعة التأمين السعودية ويمكن تحديده بالمعوق الفني وهو يتكون في حقيقة الأمر من جانبين مهمين، وهما الجانب التنظيمي لسوق التأمين والجانب التشغيلي، وبالنسبة للجانب التنظيمي فإنني أقصد به النظام التشريعي الفعال لتنظيم سوق التأمين الذي يضبط جميع المسائل المتعلقة بالتأمين وبجوانبها المختلفة، وكذلك وجود نظام قضائي فعال لحسم منازعات التأمين. وعلى الرغم من فعالية التنظيمات التي صدرت بشأن التأمين في المملكة إلا أنها ليست كافية بالشكل الذي يأمله العاملون في قطاع التأمين والمهتمون به، فنظام الضمان الصحي التعاوني ولائحته التنفيذية بحاجة على إعادة صياغة ليتواكبا مع المتغيرات والمستجدات الحاصلة في سوق التأمين الصحية. كما أن النظام لم يتبنَ إيجاد جهة قضائية فعّالة للنظر في نزاعات التأمين الصحي على إطلاقها، حيث إن اللجنة التي نص عليها النظام هي لجنة قاصرة على النظر في مخالفات النظام مع بعض الصلاحيات البسيطة المتعلقة ببعض النزاعات المالية بين شركات التأمين وحاملي وثائق التأمين الصحي، فطبيعة التأمين الصحي الخاصة والنمو المضطرد الذي تعيشه سوق التأمين الصحية يتطلب وجود جهة قضائية متخصصة وقاصرة على النظر في نزاعات التأمين الصحي. وبالنسبة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني فهو وإن كان يعد من قبيل الأنظمة التي ترتكز عليها سوق التأمين السعودية في مسألة الضبط، إلا أنه تعتريه كثير من جوانب النقص والقصور، ولعل أهمها هو أن النظام أغفل بشكل كامل الحديث عن الجوانب الموضوعية للتأمين على الرغم من أهميتها القصوى، فهو ينص على أن تكون الشركات التي يرخص لها تعمل وفق أسلوب التأمين التعاوني ولكن دون أن يبين ماهية ضوابط التأمين التعاوني بشكل واضح وصريح. هذا بالإضافة إلى وجود نقص في بعض الجوانب التي يفترض أن تشملها تنظيمات أو قرارات من الجهة المختصة لإقرار بعض أنواع التأمين الإلزامي وخاصة في مجال التأمين الهندسي والمسؤولية عن الأشياء والتأمين الإلزامي ضد بعض النشاطات الضارة بالبيئة والصحة وما إلى ذلك. وبالنسبة للجانب القضائي فإنه لا بد من التفكير في معرفة أسباب تدني مستوى أداء اللجان القضائية الخاصة بالتأمين ومعالجتها، على الرغم من إنشاء ثلاث لجان قضائية مختصة بقضاء التأمين في كل من الرياض وجدة والخبر وهي خطوة بحد ذاتها متميزة، ولكن الواقع الذي عاشته وتعيشه هذه اللجان ينبئ بأن هناك إشكالية كبيرة تقترن بأدائها. ولعل من أسباب ذلك نقص الخبرة والتخصص فيمن شغل عضوية هذه اللجان والطبيعة القانونية الخاصة لقضاء التأمين، ولقد كان للأداء غير المناسب للجنة فض منازعات التأمين في الرياض وإعادة تشكيلها خير شاهد على ذلك، وحال اللجنتين الأخريين ليس بأحسن حالا من سابقتهما. المسألة الأخرى التي لا تقل أهمية عما سبق هي عدم وجود مرجعية قانونية نظامية يتم الاحتكام إليها، فنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني لم يتصد للجوانب الموضوعية للتأمين وهذا ترك فراغاً تشريعياً كبيراً، فالأحكام التي تصدرها هذه اللجان أو ديوان المظالم (المحكمة الإدارية) فيما بعد ستفتقر إلى المرجعية النظامية اللازمة التي تستند هذه الأحكام إليها، وستكون المرجعية المتاحة هي إما اجتهادات غير مؤسسة قانونياً وإما أن المرجعية ستكون وثائق التأمين التي تعدها شركات التأمين على علاّتها وعيوبها الخطيرة. وتزداد الصورة قتامة كذلك في اللجان العاملة في قضاء التأمين التي لم تكلف نفسها وضع مبادئ قضائية تمثل مرجعاً بديلاً إزاء هذا الفراغ التنظيمي الكبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي