العقار و"السادستير"
ما كان في السابق مبررا بسبب محدودية الكفاءات قد لا يوجد ما يبرره في الوقت الحاضر. فمثلا في السابق وبسبب محدودية المؤهلات كانت عديد من الوظائف تتطلب مستوى محدودا من التعليم. فحملة السادس ابتدائي كانوا أساتذة لمن هم في المراحل الأولى من الدراسة. إضافة إلى أن حمل شهادة السادس الابتدائي كان كفيلا بتقلد ذلك الجيل مناصب ومراتب في الدولة. لكن لا نستطيع أن نبرر معطيات الزمن الماضي لتصبح معطيات الوقت الحديث. المؤهلات المحدودة كالسادس الابتدائي "السادستير"كانت في وقت سابق توازي مهنيا ووظيفيا حمل الماجستير في الوقت الحالي. فالمرحلة التي نعيشها لها معطياتها ومؤهلاتها ورجالها.
أجدها مقدمة ضرورية خصوصا وقد صدرت بعض القرارات الموفقة التي تحدد المؤهلات المطلوبة للاستثمار في المجالات الحيوية. فصدرت عديد من القرارات التنظيمية ليس من أجل رفع مستوى القطاعات التجارية المستهدفة بالتنظيم فقط ولكن من أجل توفير حماية للمستهلك. فهناك اشتراطات مهنية لمن يرغب في الاستثمار لفتح صيدلية أو محل للبصريات أو غيرها من الخدمات.
لكن ما زالت عديد من القطاعات التجارية على الرغم من أهميتها واستحواذها على نصيب الأسد كقيمة سوقية إلا أنه لم يصدر بحقها تنظيم حقيقي يتواءم مع الأموال التي تديرها. لذا أجد أن الوقت قد حان لأن تشترط مؤهلات عامة للاستثمار في الأنشطة التجارية. فمثلا مازالت مكاتب العقار من أقل الأنشطة التجارية تنظيما وتأهيلا على الرغم من كون القطاع العقاري يقتطع جزءا كبيرا من كعكة رأس المال المدارة في القطاع الخاص. فبإمكان من لدية سادستير "أي مؤهل ابتدئي" أن يستأجر مكانا كبيرا ولفترة محدودة ومن ثم يبدأ بطرح مساهمات أو بيع عقارات وهمية ليس لها حقيقة على أرض الواقع خصوصا أن الغالبية من الناس لا تتعامل مع مكاتب العقار إلا في حالات الاستئجار أو شراء أرض لبيت المستقبل. لذا يقع عديد من الناس ضحايا مكاتب العقار خصوصا وأن خبرة العديد من الناس على تحايل مكاتب العقار محدودة مما يؤدي إلى تعطل أهم مشاريع العمر. فتصبح أرض العمر مرهونة بوفاء والتزام صاحب المكتب مما يزيد عدد القضايا المعروضة في المحاكم ووقع ضرر كبير يصعب التعامل معه مستقبلا. النظام لا يحمي المغفلين فالعلاقة بين صاحب المكتب العقاري وصاحب الأرض والمشتري مبنية على الثقة المتبادلة وإن كان صاحب المكتب هو النقطة المحورية لنجاح تلك العلاقة التجارية. وحيث إن الخلافات العقارية من ضمن أحد أكثر القضايا المعروضة للمحاكم فلا بد من إصدار نظام يحدد العلاقة بين الأطرف الثلاثة ويلزم بتطبيقه المكاتب العقارية. لا بد من إصدار نظام يحدد حقوق وواجبات كل طرف. كما أن عقود الشراء والبيع للأراضي يجب أن تكون وفق شروط مكتوبة في كل فاتورة تخرج من أي مكتب عقاري، حيث تكون ضامنا لحقوق البائع والمشتري وصاحب المكتب العقاري. وزارة التجارة عليها إلزام المكاتب العقارية بوضع اشتراطات تحمي حقوق العملاء وتوضح لهم حقوقهم وواجباتهم وتكون بمثابة الضامن القانوني قبل توقيع أي عقد بيع أو شراء. كما أن هذه الشروط يجب أن تكون مكتوبة في كل الفواتير وصاحب كل مكتب ملزم بطباعتها على الفواتير الصادرة منه، وكذلك يجب تعليقها في كل المكاتب العقارية كما تعلق رخصة المحل.
يجب أن تقنن مؤهلات فتح مكتب عقاري وتشترط مستوى تعليميا معينا من أجل رفع مستواها التنظيمي، حيث لا يقل المؤهل عن الثانوية العامة كحد أدنى.
الحاجة للتنظيم حماية للمواطن المشتري أو البائع بل أيضا حماية للمكاتب العقارية المعروفة بالصدق وحسن الخلق والاحترافية. الممارسات الخاطئة لبعض مكاتب العقار تؤثر سلبيا في المكاتب المحترمة. فما قلته ابتداء من أن الاشتراطات التي كانت مقبولة في وقت مضى أجدها غير مجدية في الوقت الحالي فلكل زمن رجال ودولة.