2009 سنة الكفاءة والتحديات لشركات الوساطة
منذ فصل نشاطات البنوك التجارية عن نشاطات المصرفية الاستثمارية والبدء في تنظيم سوق البنوك الاستثمارية من قبل هيئة السوق المالية، بدأ عدد شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية في الارتفاع بشكل كبير، حيث بلغ إجمالي عدد شركات الوساطة أو البنوك الاستثمارية المرخص لها من قبل هيئة السوق المالية نحو 106 شركات مارست 71 شركة منها فعلياً العمل, بينما لم تباشر العمل 35 شركة أو ما نسبته 33 في المائة. ارتفاع عدد شركات الوساطة بشكل سريع خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتأخر ثلثها عن بدء العمل يحملان عدة دلالات ويشيران إلى تغيرات محتملة في هيكل سوق المصرفية الاستثمارية مدفوعة بالتغيرات في الاقتصاد الكلي وارتفاع مستويات المنافسة. فالظروف الاقتصادية الكلية المرتبطة بأداء شركات الوساطة في السنوات الثلاث الماضية تميزت بالنمو الاقتصادي السريع المدفوع بارتفاع أسعار النفط، ارتفاع عمليات الطرح الأولي والإقبال على تحول هيكل ملكية الشركات الخاصة والعائلية إلى مساهمة عامة، ارتفاع مستويات التداول، وزيادة عمليات واستشارات الطرح الخاص. ومع بداية العام الحالي 2009، فإن معظم الظروف الاقتصادية المحيطة بفترة تأسيس شركات الوساطة قد تغيرت، حيث إن من المتوقع تراجع النمو الاقتصادي مقارنة بالسنوات السابقة، تراجع عمليات الطرح الأولي المرتبط بالقطاع الخاص، تراجع مستويات التداول عن الأرقام القياسية التي تحققت في الأعوام السابقة، وتراجع معدلات نمو أرباح الشركات عموماً.
وبتوقع تأثر شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية عموماً بتراجع معدلات النمو الاقتصادي، فإن من المؤكد تغير هيكل قطاع شركات الوساطة عن هيكلها الحالي. فخلال فترة تأسيس شركات الوساطة كان هناك شح في الكوادر المصرفية الاستثمارية المتخصصة ما أدى إلى ارتفاع فاتورة الرواتب وتكلفة الموارد البشرية بمستويات كبيرة. وكذلك الحال مع أسعار الإيجارات التي تعاقدت عليها شركات الوساطة لمقارها وفروعها نظراً لارتفاع أسعار العقار عموماً في فترات التأسيس خلال الأعوام الثلاثة الماضية. هذا الارتفاع في التكاليف لم يكن ملموساً أو أولوية في فترة الطفرة الاقتصادية مع ارتفاع الموجة، إلا أن تراجع مستويات النمو الاقتصادي ونشاط البنوك الاستثمارية يجعلان ترشيد النفقات في قائمة الأولويات لحماية رؤوس أموال الشركات من التآكل وللحيازة على حصة سوقية أكبر من المنافسين في ظل انكماش حجم السوق الكلي. كما أن عدد شركات الوساطة المرخص لها يفوق احتياجات السوق في فترة النمو الاقتصادي السريع في السنوات القليلة الماضية ما يشير إلى أن السوق ستظل متشبعة في العام الحالي. هذا العدد الكبير من الشركات سيؤدي إلى التنافس في تخفيض الرسوم والأسعار، تحسين الجودة، وتوفير منتجات مبتكرة، وإلى خروج الشركات التي تفشل في سباق المنافسة. ونظراً لتفاوت الميزات التنافسية بين البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة فمن المتوقع أن تقاوم البنوك الاستثمارية المنفصلة عن البنوك التجارية، البنوك المتحالفة مع فروع لبنوك عالمية، والشركات المحلية ذات رأس المال المرتفع التراجع الاقتصادي أكثر من الشركات المحلية ذات رؤوس الأموال المنخفضة.
كما أن من المتوقع أن تتغير نشاطات واهتمامات البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة في العام الحالي لتنتقل من عمليات الطرح الأولي إلى عمليات الدمج والاستحواذ، استشارات إعادة الهيكلة، واستشارات إعادة التمويل. ففي أوقات التراجع الاقتصادي يبحث قطاع الأعمال عن الخيارات التي تؤدي إلى تقليل التكاليف من خلال إعادة الهيكلة والاندماجات التي تضيف بعداً تكاملياً إلى النشاط وميزة تنافسية. كما أن شركات الوساطة بدأت بالفعل بالتقليل من التوظيف وإلغاء الوظائف المكررة وهي التكاليف التي في الإمكان التحكم فيها مباشرة بينما تكاليف الأنظمة التقنية وحقوق استخدامها وتكاليف الإيجارات فمرتبطة بعقود سنوية ستتحمل تكاليفها الشركات إلى نهاية العام ولا مجال لخفضها قبل ذلك.
وأخيراً، سيكون عام 2009 عام التغيرات في خريطة المصرفية الاستثمارية السعودية عن طريق ظهور كيانات جديدة أكبر ناتجة عن الاندماجات واختفاء شركات قد تجد أن من الأجدى الانسحاب من السوق باكراً لتقليل الخسائر، وظهور نشاطات للبنوك الاستثمارية لم تكن جذابة في أوقات الطفرة الاقتصادية وبرزت الحاجة إليها الآن مع توقعات تراجع النمو الاقتصادي عن مستوياته السابقة وسيطرة هدف رفع الكفاءة.