حصار الحيوان أم الإنسان..؟
في عصرنا الحاضر, عصر الحضارة والتقدم... عصر المنظمات الإنسانية, والجمعيات الحقوقية... عصر منظمات حقوق الإنسان, وجمعيات حقوق الحيوان... عصر الأمم المتحدة, ومجلس الأمن, في هذا العصر, وفي هذه الأيام تحديدا, تسفك دماء بريئة, وتمارس جريمة مقننة, بأيدٍ صهيونية, وبتآمر دنيء من بعض دول العالم...
فأين الإنسانية, وأين الآدمية..؟ هل تغيرت مفرداتها؟ هل تحولت مصطلحاتها؟
وأين حماة حقوق الإنسان...؟ هل اختفى رعاتها؟ هل انزوى دعاتها؟
أين دعاة الإنسان من محاصرة مليون وخمسمائة ألف إنسان...؟
أين دعاة الإنسان من استهداف الإنسان رجلاً كان, أو امرأة, أو طفلا...؟
أين دعاة الإنسان من تدمير ممتلكات الإنسان, ونسف منازله, وتجريف مزارعه...؟
أم أضحت حقوق الإنسان سوطاً سياسياً يلهب به ظهور الضعفاء, ومصطلحاً نرجسياً لا يليق إلا بأصحاب البشرة البيضاء, والعيون الزرقاء, والشعور الشقراء...!
قبل ألف وأربعمائة عام لم يرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - شعاراً إنسانياً, وإنما ترجم ذلك على أرض الواقع, بعيداً عن الشعارات واللافتات..., فأمر بحفظ حقوق المسلم, رجلاً كان, أو طفلاً, أو امرأة, وأمر باحترام حقوق الكافر, سواء كان معاهداً, أو ذميا, أو مستأمناً...
وهل أعظم من تربية المسلم وتهذيبه ليحترم شعور الحيوان, فلا يعرضه للتعذيب, والتنكيل..؟
لقد حرَّم الإسلام اتخاذ الحيوان غرضا, بحيث ينصب الحيوان لمجرد استهدافه, وحين مرَّ ابن عمر - رضي الله عنهما - بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه, وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم..., قال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا, إن رسول الله ح صلى الله عليه وسلم ح لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضا" متفق عليه.
فأين دعاة حقوق الإنسان والحيوان من الآلة العسكرية الإسرائيلية, والتي اتخذت البيوت والأشجار والحيوان والإنسان غرضاً لأسلحتهم, وصواريخهم, وقنابلهم العنقودية, وغيرها...؟
لا بل كانت المشاعر النبوية أكثر رقة, وأبلغ عاطفة, كما يروي لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر, فانطلق لحاجته, فرأينا حمَّرة (طائر) معها فرخان, فأخذنا فرخيها, فجاءت الحمرة, فجعلت تعرش (أي: ترتفع وتظلل بجناحيها على من تحتها), فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها, فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يحرِّق بالنار إلا رب النار"رواه أبو داود بإسناد صحيح.
لقد رقَّ - عليه الصلاة والسلام - لطير حين فجعت بولدها...! فأين دعاة حقوق الإنسان من نساء غزة وهن يفجعن صباحا ومساء بأطفالهن, وأين هم من رجال فجعوا بأهلهم أطفالاً ونساء, فبقوا وحيدين في هذه الدنيا, تطاردهم الوحدة وتلاحقهم الأحزان..؟
وغضب عليه الصلاة والسلام حين رأى قرية نمل قد أبيدت حرقا, مع كون النمل قد تسببوا في إيذاء أولئك المتورطين في حرق القرية, ومع هذا, منع - صلى الله عليه وسلم - من هذا الأسلوب المروع في القتل...! فأين دعاة حقوق الحيوان والإنسان من استهداف الشجر والحيوان والبشر في غزة بتلك الصواريخ والقنابل الحارقة...؟
وفي الحديث الآخر, أن رجلا أباد قرية نمل كاملة بسبب نملة واحدة..., فقال عليه الصلاة والسلام: "فهلا نملة واحدة...؟" فأين دعاة الحقوق من إبادة شعب كامل بذرائع باطلة...؟!!
وتتجلى عظمة النبي - صلى الله عليه - وسلم حين يجرم محاصرة هرة
- ذات القوائم الأربع - فيحبس عنها الطعام والشراب, ويعتبر ذلك مبرراً لدخول النار يوم القيامة, حيث قال - عليه الصلاة والسلام- : "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت, فدخلت فيها النار, لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها, ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه. فما الظن إذن بمن يحاصر شعباً بأكمله, فيمنعه الغذاء والدواء والكساء, يحاصره في لقمة عيشه, وجرعة دوائه, يحاصره على مرأى ومسمع من العالم أجمع, فلا تتحرك مشاعره, ولا تتزحزح مواقفه, بل يقع التآمر, ويبيت الحصار بليل, من القريب والبعيد...!
لقد عرَّى - النبي صلى الله عليه وسلم - هذه المنظمات الإنسانية, والجمعيات الحقوقية, وجردها من شعاراتها..., فتباً للشعارات الزائفة ... تباً لها, لقد مرغت الطفولة البريئة في الدماء الزكية, وقتلت الإنسان البريء بأبشع الآلات العسكرية المدمرة...!