الغرف التجارية والحضور الخجول في تنمية السوق السعودية
تعد السوق الوطنية من أهم مقومات الدولة في عالم تعلو فيه لغة الاقتصاد على اللغات السياسية والاجتماعية والثقافية التي باتت توظف لخدمتها, والسوق الوطنية تتكون من مجموع أسواق القطاعات الاقتصادية ومجالاتها, وتحرص الدول كل الحرص على تنمية سوقها من خلال تنمية أسواق القطاعات القائمة (السوق العقارية, السوق التعليمية, والسوق الصحية, .. إلخ), ومن خلال استحداث أسواق قطاعات جديدة مرتبطة بالتطورات التكنولوجية وغيرها (سوق الدوت كوم, سوق الألعاب الإلكترونية, السوق المالية, وسوق الاتصالات .. إلخ), وذلك بهدف تعزيز مقومات بقائها وتطورها وتحقيق العيش الكريم لمواطنيها.
من يُوجِد السوق؟ من يُطورها؟ ومن يُنظمها؟ بكل تأكيد ينشئ القطاع الخاص السوق ثم يوجد أعرافا لها تقوم الحكومة بتحويلها إلى أنظمة تنظم تلك السوق وتحفز تطويرها وتحمي المتعاملين فيها, وهو ما يعني أن القطاع الخاص هو من ينشئ الأسواق في جميع القطاعات الاقتصادية القائمة والمستحدثة ويطورها, بينما تقوم الحكومة بتنظيم تلك الأسواق وتحفيز المتعاملين فيها لتطويرها, كما تحمي المتعاملين فيها من طغيان بعضهم على بعض بما يؤدي إلى اختلال تلك الأسواق وتخلفها.
دون أدنى شك هناك تفاعل مستمر بين القطاعين الحكومي والخاص قائم على الشراكة الحقيقية لتطوير تلك الأسواق بما يوفر السلع والخدمات بجودة معيارية وأسعار متناولة بما يرفع مستوى معيشة المواطنين ويحقق الأهداف التنموية, ولا شك أن هذا التفاعل المستمر يكون في بداياته تفاعلا فكريا ثم يتحول إلى أنظمة ولوائح وبرامج ومشاريع تنفيذية غايتها تنمية الأسواق القطاعية, والسوق الوطنية بالمحصلة, وفي حال الإخفاق في تنمية تلك الأسواق لأي سبب كان سواء عدم الملاءمة أو تغير المعطيات, تتم مراجعة تلك الأنظمة واللوائح والبرامج والمشاريع بما يجعلها تحقق الغاية المنشودة من ورائها, بمعنى أن عملية التفاعل بين القطاعين الحكومي والخاص عملية مستمرة ومتواصلة وضرورية لصالح الوطن والمواطن بالمحصلة.
عملية تطوير الأسواق القطاعية والسوق الوطنية بالمحصلة من خلال التواصل المستمر بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني, تستند إلى الفكر بشكل رئيس, ما يعني أننا في حاجة إلى مؤسسات فكرية قادرة على استقطاب المفكرين, إضافة إلى قنوات فكرية تربط بين المسؤولين في القطاعين الحكومي والخاص, وعمليات إدارية فاعلة لتحويل المنتجات الفكرية إلى أنظمة ولوائح وإجراءات وبرامج عمل ومشاريع تنفيذية تستحدث الأسواق وتطور القائم منها لتنمو بمعدلات معيارية لاستيعاب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بما ينعكس إيجابا على موقف الدولة السياسي بالمحصلة كدولة ذات ثقل اقتصادي وسياسي لها كلمتها في الأسواق والمحافل الدولية.
والسؤال من يحرك من؟ من صاحب المبادرة؟ كلنا يعلم أن القطاع الخاص في الدول الغربية والآسيوية المتقدمة هو المبادر باستحداث الأسواق وتنمية القائم منها, وتستجيب الحكومة لما يطرحه بهدف تحقيق الأهداف التنموية, حتى باتت المشكلات, فضلا عن الحاجات في تلك الدول, تمثل فرصا استثمارية تولد فرصا استثمارية أصغر وفرصا وظيفية, ما جعلها تصنف كدول غنية ينعم مواطنوها بالعيش الكريم والرغيد ومهوى لقلوب مواطني العالم النامي الذي يحلم باجتياز حدود تلك الدول بأي طريقة كانت قانونية أو غير قانونية.
نحمد الله أننا في السعودية رزقنا الله بمورد طبيعي في سوق عالمية رائجة حققت لنا إيرادات كبيرة تشكل أكثر من 85 في المائة من ناتجنا الإجمالي, ونحمد الله أيضا أن قيادتنا الحكيمة تسعى إلى استثمار تلك الإيرادات في بناء مقومات اقتصاد وطني مستدام يقوم على الموارد البشرية الوطنية القادرة على تنمية الأسواق في القطاعات الاقتصادية كافة بما ينمي سوقنا السعودية بالمحصلة ويخفف الاعتماد على إيرادات النفط متذبذبة الأسعار, ما جعلها تحتضن القطاع الخاص السعودي وتدعمه وتحميه وتفضله لكي يقف على أرجله ليلعب دوره المستهدف في تنمية الاقتصاد الوطني.
ورغم ذلك ورغم ما قامت به حكومتنا الرشيدة من تطوير بنى تحتية لكثير من قطاعاتنا الاقتصادية, إلا أننا نعاني قطاعا خاصا مثقلا بقيادات تكاد لا تدرك مكانتها وأهميتها ومهامها في هذه المرحلة, حيث حققت نجاحات اقتصادية كبرى في ظل تشجيع الحكومة لها وحمايتها من المنافس الأجنبي متناسية أننا نعيش انفتاحا اقتصاديا كبيرا مكن المستثمر الأجنبي من شفط مدخرات المواطن السعودي من خلال أسواق المال العالمية التي دخلت بيوتنا من خلال تقنية الكمبيوتر والشبكة الإلكترونية.
أعتقد أن القيادات الاقتصادية القائمة على المنشآت الاقتصادية الكبرى والمتوسطة, والقيادات العاملة في الغرف التجارية الصناعية كافة وفي لجانها, إذا استمرت بفكرها الاقتصادي الحالي, واستمرت في البحث عن المناصب بهدف الوجاهة الاجتماعية, ولم تبادر إلى تبني وطرح أفكار تنموية للأسواق القطاعية, ولم تبادر إلى المشاركة في تأسيس مؤسسات فكر اقتصادي بإمكانات مالية تمكنها من استقطاب المفكرين وطرح الأفكار وتبنيها ومتابعة تحويلها إلى أنظمة ولوائح وبرامج عمل ومشاريع تنفيذية, أقول إذا استمر ذلك فإننا سنواجه مشكلات اقتصادية كبيرة في المستقبل.
لا شك أن الغرف التجارية ذات الحضور الخجول في ساحة الفكر الاقتصادي رغم مكانتها لدى القيادة والأجهزة الحكومية, هي الملامة أولا عما هو عليه قطاعنا الخاص من سلبية كبيرة في تنمية السوق السعودية بجميع قطاعاتها, فهل نرى تغيرات جذرية في القادم من الأيام, خصوصا أن معظم مجالس الإدارات الحالية حديثة الترشح والتعيين؟