سلام بقعة السراب والحرب على غزة (1 من 3)
في يوم السبت الموافق 30/12/1429هـ، وفي آخر يوم من أيام السنة الهجرية, قام الكيان اليهودي الجاثم على أرض فلسطين منذ 60 عاماً بحرب همجية لا يفرق فيها بين مدني، وغير مدني, ولا مرفق صحي، أو مسجد, أو جمعية خيرية, أو مسكن يأوي أماً مع أبنائها، وأطفالها. وقد استبق العدو الصهيوني، وأنصاره ومهدوا لهذه الحرب بتصريحات, ومبررات يصعب على أي فرد لديه أدنى مستوى من التفكير أن يصدقها. والمتأمل في هذه التصريحات, والتبريرات يجد أن مصادرها وأطرافها متعددة، لكن نتائجها تصب في مصلحة الكيان الصهيوني.
ويمكن تصنيف مصادر هذه التبريرات إلى عدة مصادر أولها التصريحات التي صدرت من الأهل, والإخوة, ومن يفترض أن يكونوا رفقاء السلاح، أما المصدر الثاني فهو العدو الصهيوني بقادته, وأركاناته, وسياسييه، أما المصدر الثالث فهم المتضامنون مع العدو الصهيوني مثل الولايات المتحدة, والاتحاد الأوروبي ومن يسير في ركبهم، أما المصدر الرابع فهو هيئة الأمم المتحدة, التي يفترض أن تكون هيئة دولية محايدة في تصريحاتها ومواقفها. وبتتبع تصريحات هذه المصادر نجد أن أمين عام هيئة الأمم المتحدة بان كي مون الذي استبق الحرب العدوانية اليهودية على غزة بتصريح دعا فيه حماس إلى وقف إطلاق الصورايخ على إسرائيل, وكأنه في هذا التصريح يحمّل الفلسطينيين مسؤولية التدهور الذي يحدث في غزة والضفة الغربية, ولم يسمح بان كي مون لنفسه أن يراجع تاريخ الكيان الصهيوني, واعتداءاته وجرائمه منذ أن تأسس, وحتى اللحظة, وغاب عن ذاكرة بان كي مون جريمة دير ياسين، وعدوان 1956, وعدوان 1967, ومجازر صبرا وشاتيلا، ومجازر جنين، وإحراق المسجد الأقصى، والحرم الإبراهيمي، والاعتداءات في الخليل، وإخراج الناس من بيوتهم، وإفشال اتفاق المعابر والحصار الجائر واللاإنساني الذي تمارسه إسرائيل على غزة بدعم ومساندة دولية وإقليمية، لكن إذا عرفنا أن هيئة الأمم المتحدة لم تعد هيئة دولية، بل هيئة تتحكم فيها الدول الغربية المسيحية، لذا لا غرو في أنه لم ينفذ أي قرار من قرارات هيئة الأمم المتحدة الخجولة التي اتخذت تجاه الكيان الصهيوني, مادام الفكر المهيمن على هيئة الأمم المتحدة فكرا صهيونيا منحازا للجلاد ضد الضحية.
أما المصدر الثاني فهو مسؤولو الكيان الصهيوني، حيث صرح إيهود باراك رئيس وزراء الكيان الصهيوني المنتهية ولايته بأن إسرائيل تقود حربا بلا هوادة ضد "حماس" محاولاً في هذا التصريح أن يشعر الآخرين بأن الشعب الفلسطيني في مأمن من هذه الحرب, وما الحرب إلا موجهة لـ "حماس" وكوادرها، وهذا خلاف ما حدث, ويحدث حتى الأطفال, والنساء، والأطباء, والمساجد, والجامعات, والمستشفيات لم تسلم من آلة العدوان اليهودية, التي تضمنت أفتك ما توصل إليه الإنسان في الصناعات الحربية، حيث استخدمت طائرات إف 16, والصواريخ وكل أسلحة التدمير والترويع.
أما تيسبي ليفني وزيرة الخارجية في الكيان الصهيوني فبررت الحرب بهدف بناء عالم حر, وتأمين السلام للجميع، وكأن الفلسطينيين في غزة يهددون السلام العالمي. وفي باريس قالت الوزيرة ليفني إن الحرب تهدف إلى إضعاف "حماس" في الشارع الغزواي، وفي هذه التصريحات محاولة من قادة الكيان الصهيوني للحصول على تعاطف العالم, وقبول جرائمه, وإشعاره بأن "حماس" لا تهدد إسرائيل فقط، بل تهدد العالم بأكمله، وتحاول أن تسلبه حريته وديمقراطيته المزيفة، وكأن "حماس" تملك ترسانة أسلحة نووية كما هو حال الكيان الصهيوني. ولعل من المبررات التي لم يصرح بها من قبل مسؤولي العدو هي محاولة إعادة الثقة للجيش الصهيوني، وبث روح الاعتداد، والغطرسة التي اعتاد عليها الشعب الصهيوني في فلسطين، وذلك تعويضاً عما حدث له أثناء حربه على لبنان عام 2006.
من المؤسف حقاً أن يتبجح المسؤولون الصهاينة بتصريحات يظهرون فيها حرصهم على العرب حين تقول ليفني إن على قادة العالم, والقادة العرب، أن يفهموا أن مشكلة الشعب الفلسطيني هي "حماس" وليست إسرائيل، كما أنه من المؤلم جداً أن تصرح من باريس أن ما تقوم به في زيارتها فرنسا إنما هو تعبير عن وجهة نظر الدول العربية المعتدلة، وفي هذا التعبير دلالة على الوضع المزري للنظام الرسمي العربي الذي يرضى بأن يكون في محل اتهام وقوفه بجانب الكيان الصهيوني.
الطرف الثالث الذي تقف عنده هو الأهل, والإخوة، وهذا ينقسم إلى قسمين الأول هو الداخل الفلسطيني الذي وقف موقفاً مبرراً لهذه الحرب العدوانية، إذ صرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بقوله كنا نتوقع حدوث الهجوم, وحذرنا من ذلك، وهذا التصريح, وغيره صدر على ألسنة مسؤولين فلسطينيين آخرين من السلطة مثل أحمد قريع وياسر عبد ربه، وكأن مسؤولي السلطة يبررون هذه الحرب, ويرجعون أسبابها لإخوتهم, وأهلهم في غزة، أما المحيط العربي, والإسلامي فيكفي المرء أن يتأمل في وجوه المسؤولين حين يظهرون على شاشات التلفزيون وهم يصرحون أو يعقدون مؤتمراتهم الصحافية. إن المرء ليقرأ من قسمات الوجوه, ومن الكلمات التي يتفوهون بها الانهزام، والخسارة السياسية، والتاريخية، وروح الانكسار النفسي الذي يعبر عن التناقض الحاد بين المشاعر الداخلية, واللغة المنطوقة التي لا تجد صداها في الشارعين العربي والإسلامي عدا الاستهجان، والرفض، بل والتندر، والرفض لمثل هذه التصريحات, والتبريرات للعدوان. كم هو مؤسف أن يصرح وزير خارجية دولة عربية أنهم حذروا من العدوان, ومن لم يأخذ بالتحذير عليه تحمل المسؤولية. هل فكر النظام الرسمي العربي في الأضرار الجسيمة التي تحدثها تصريحاته المبررة للعدوان, ومواقفه المتخاذلة, التي وصلت إلى حد إعاقة انعقاد القمة العربية، بل, التخلي عن المسؤولية حين اجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وألقوا بالمسؤولية على مجلس الأمن، وكأن النظام الرسمي العربي فاقد القدرة على التحرك.
إن هذه المواقف تباعد بين الأنظمة, وشعوبها وهذا من شأنه أن يضعفها ويمزقها ويدق أسفين عدم الثقة بهذه الأنظمة.
المتضامنون مع الكيان الصهيوني وهم أمريكا والاتحاد الأوربي، فقد كرروا تفهمهم دوافع إسرائيل لحربها الهمجية ودعوا حماس لإيقاف الصواريخ متهمين إياها بأنها من تسبب في هذه الكارثة, لكن يكفي أن نتذكر قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ملة الكفر واحدة، فهل نعتبر نحن العرب والمسلمين, ونفهم الدرس لنعيد ترتيب بيتنا من الداخل بدلاً من جعله مرتعاً يلهو فيه الآخرون؟!