أمريكا تطلب من "حماس" الرفق باليهود!!
خلال الهجوم الصهيوني الغاشم والمدمِّر على قطاع غزة، وبعد أن قتل اليهود المعتدون المئات وجرحوا الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء ودمروا جميع المرافق العامة وبعض البيوت والمساجد، مستخدمين أشد أنواع السلاح فتكا، كان رد فعل أم الإرهاب الدولي، أمريكا، الطلب من حركة حماس أن تكف عن ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ العابرة "للقطاع".
ومن جانبها ردت حركة حماس فوراً على الهجوم الإسرائيلي أنها "ستزلزل" الكيان الصهيوني! أما عن كيفية إحداث الزلزلة من حركة لا تجد قوت يومها، ولا سلاحاً أمضى من ماسورة مملوءة بالبارود، وتعيش داخل حدود مغلقة، فنترك الأمر لما يريده الله.
ولكننا في حيرة من أمرنا حول فهم مضمون مثل هذه التصريحات التي لا نجد لها معنى، فهل من أولي الألباب من هو قادر على أن يوضح لنا ما الذي يقصده كل طرف؟
نحن اليوم نعيش في عصر المبالغات والتهويل، بعيداً عن أرض الواقع. فالأمريكان يغدقون على الدولة اليهودية بالمال والسلاح ويؤيدون سياستها الإجرامية واحتلالها للأراضي الفلسطينية ويعادون كل منْ عاداها أو حتى منْ ينتقد سياستها العدوانية. فليتهم التزموا الصمت وهم يشاهدون عبر وسائل الإعلام أشلاء القتلى والجرحى مبعثرة في وسط الشوارع، ولكن خبثهم وطبيعة خلقهم وعطشهم للدماء كما هي عادتهم منذ أن احتل الرجل الأبيض الأرض الأمريكية، أبى عليهم إلا أن يعبِّروا عما كان يجول في نفوسهم من الكره الأعمى لشعب عاش أكثر من 60 عاماً يناضل ويكافح من أجل تحرير أرضه من مغتصب جائر، فلم يجدوا ما يقولونه في هذه المناسبة المؤلمة أفضل من أن يطلبوا من "حماس" أن ترأف بالمحتلين الإسرائيليين وتوقف إرسال صواريخها التي لا قدر الله لو سقطت قريباً من أسوار أحد بيوتهم لألحقت به أضراراً لا يعلم مداها إلا الله!
ألا تخجل أمريكا من تصرفاتها الصبيانية؟ أليس الأفضل لأمريكا أن تقول خيراً أو أن تصمت؟ لماذا تتغاضى عن المجازر في غزة والعالم كله يشاهد أشلاء الرجال والنساء والأطفال الأبرياء مبعثرة في الشوارع، ولا يدركون أن هذا الإجرام ليس له على الإطلاق ما يبرره؟ ونضيف سؤالا أخيراً، إذا كانت مقاومة الاحتلال هو جريمة وإرهاب، ألا يحق لنا أن نشير إلى أن جورج واشنطن كان أول إرهابي في التاريخ الحديث؟
ودعونا من إطلاق الظنون والتكهنات وتصديق ما ينقله الإعلام من أن حرب إسرائيل المدمرة هي بقصد القضاء على حركة حماس. فنقول: إن إسرائيل لا تحتاج إلى هجوم كاسح وتدمير للبنية التحتية لمدن كاملة وقتل للأبرياء، بعد حصار مروع دام أكثر من ستة أشهر لمليون ونصف المليون إنسان، من أجل القضاء على أفراد حركة حماس. لو كان ذلك فعلاً هو الهدف الرئيس للهجوم الإسرائيلي المدمر، لاستطاعت حكومة الاحتلال بمجهود أقل ودون إثارة أي ضجة أن تلتقط مسؤولي "حماس" بطريقتها الخاصة واحداً بعد الآخر، كما فعلت بمن سبقوهم من القادة الحمساويين وغيرهم من القياديين الفلسطينيين. هدف إسرائيل الحقيقي هو تصفية القضية الفلسطينية بأكملها، ولكنها تتذرع أمام الرأي العام أنها تقصد إنهاء سيطرة "حماس" على منطقة قطاع غزة، وهذا ليس سراً فالكل يعلمه. ولا أحد يشك، إلا منْ أعمى حبَّ السلطة والزعامة بصيرته، أن إسرائيل لها أهداف كثيرة. فبعد قطاع غزة، ستلتف على الضفة الغربية والقدس، يلي ذلك طرد ما يسمى بـ "عرب إسرائيل".
أما إذا أردنا أن نحسن الظن بما تقوم به الدولة الصهيونية، والعاقل يفهم، فلعلها تريد أن تلفت انتباه الإخوة الفلسطينيين إلى أن تشتت جهودهم وانقسامهم إلى حركات وفصائل، تتصارع فيما بينها على الكمية البسيطة من الهواء الذي يغلف الجزء اليسير الباقي لهم من الأرض المحتلة. وتقول لهم: تصارعوا بارك الله فيكم، فسنكفيكم السيطرة على أرضكم "سابقاً" وأرضنا حالياًّ.
ولا أريد أن أعيد ما ذكرته في مقال سابق عن القضية الفلسطينية، نشر في الاقتصادية بتاريخ 16 تشرين الثاني (نوفمبر)، 2008م حول الوضع السيئ لقادة الشعب الفلسطيني الذين يبلغ عددهم العشرات، وإصرار كل فرد منهم أنه يكون الرئيس الأوحد. ولأن ذلك مستحيلاً، فقد تقاسم الرفاق الشعب الفلسطيني وجزؤوه إلى حركات وفصائل ليحقق كل واحد منهم أمنيته أن يصبح رئيساً. والآن استمع إلى الأخبار وهي تنقل لنا كل يوم أخبار الحركات والفصائل، فتارة تجتمع الحركات والفصائل للتشاور، وكثيراً ما تجْمِعُ على ألا تتفق. هل هذا صنيع قيادات تريد أن تحرر أرضها من قبضة عدوًّ لم يعرف التاريخ أكثر شراسة ولا أقبح غدراً منه؟
إن فلسطين الجريحة لن تتحرر ما دام أن كل مدينة من مدنها تحكمها حركة وكل حي في مدنها يحكمه فصيل. نحن لا نشك في مواطنة وإخلاص زعماء الحركات والفصائل، ولكن تقديم مصالح ومبادئ تلك المجموعات على المصلحة الوطنية، وهذا هو الذي شائع اليوم، سيمكِّن عدوكم من استغلال هذا الضعف ويقطعكم إرباً، وأنتم غافلون.
وإنه لمن المؤسف أن يملأ إخواننا الفلسطينيون الفضاء بتصريحاتهم النارية وتعليقاتهم المتكررة حول وضع اللوم في كل ما يحدث لقضيتهم على الزعماء العرب لعدم قدرتهم وندرة إجماعهم على اتخاذ موقف صارم وموحد تجاه القضية الفلسطينية. وكان الأجدر بإخواننا الفلسطينيين هداهم الله أن يقيموا وضعهم الداخلي وهم أصحاب القضية، حيث لا تجد اثنين من زعمائهم على قلب رجل واحد. وربما أن هذه الظاهرة هي السبب الرئيس لعدم إجماع الزعماء العرب على اتخاذ موقف جاد وموحد تجاه القضية الفلسطينية، لأنهم لم يجدوا زعيما فلسطينياًّ واحداً يمثل الأمة الفلسطينية ويتحدث بلسانها ويتحمل مسؤولية القرارات المصيرية. ولا ننسى أن للقضية طرفا إسلاميا لعلاقتها بالقدس الشريف. ولكن للسبب نفسه، الحكومات الإسلامية تريد أن تتعامل مع شعب فلسطيني موحد، وليس مع فصائل وحركات.