الحاجة لتعديل نظام المختبرات الخاصة
إن من يراجع واقع الحال الذي نحن فيه من وجود منتجات خطرة أو سامة أو تالفة أو منتهية الصلاحية في أسواقنا يجبرنا على مراجعة أسباب هذه الفوضى. إن توزيع المسؤولية على عدة جهات حسب اختصاص كل وزارة أو هيئة حكومية يجعل من الصعب تحديد المسؤولية، ولو كانت هذه الجهات قادرة على القيام بواجباتها لما وقع المواطن والمقيم تحت رحمة تقصيرهم، ولكن أية جهة نخاطب؟ لقد أدركت الجهات الحكومية حاجتها، مثل معظم دول العالم المتحضر، لتشجيع المختبرات الخاصة للقيام بالفحوص والتحاليل المتخصصة حسب طبيعة المواد المرخص لها بفحصها، ولذلك أصدر نظام المختبرات الخاصة بتاريخ 8/2/1423H وكذلك لائحته التنفيذية، بمشاركة وزارات مختلفة منها وزارة الداخلية والتجارة والصحة والزراعة والمياه والصناعة والكهرباء ووزارت الشؤون البلدية والقروية، وطبعا اليوم تغيرت بعض المسؤوليات والمسميات لبعض هذه الجهات الحكومية، ولكن للأسف فإن النظام وضع من جهة نظر حكومية بعيدة عن طبيعة العمل المطلوب لتشجيع المختبرات الخاصة، بل من يدقق النظر يرى أن هذا النظام يحتاج إلى التعديل الفوري لحاجة الوطن له ليرتقي بجودة المواد المتاحة في السوق السعودي. ولا أعلم أيهما أفضل إنشاء هيئة عامة للمختبرات الوطنية تضم جميع مختبرات الوزارات أم ترك كل وزارة أو هيئة بمختبراتها؟ ونعلم جيدا أن معظم المختبرات غير قادرة على القيام بأعمالها كاملة ولن تترك سيطرتها لمختبرات خاصة قد تكون أفضل منها في التجهيزات والكفاءات.
لقد كانت مصلحة الجمارك مسؤولة عن المعاينة والكشف على الإرساليات كافة بما فيها المواد الغذائية ومن ثم سحب العينات وإرسالها إلى المختبر المختص الذي يقوم بالتحاليل وإرسال النتيجة للجمرك المختص، وكان لدى الجمرك متخصصون يقومون بهذا العمل ولكن تم نقل هذه المسؤولية إلى مختبرات مراقبة الجودة النوعية التابعة لوزارة التجارة (سابقا)، التي لم تستطع أن تقوم بدورها وقريبا ستنقل مسؤولياتها للمواد الغذائية إلى هيئة الغذاء والدواء التي سترقى بها.
لقد مر أكثر من خمسة أعوام منذ صدور النظام ولم نر المختبرات الوطنية المتخصصة تنمو وتزداد، وهذه أحد الدلائل على عدم خدمة النظام للمختبرات الخاصة وتشجيعها. إننا في حاجة إلى مختبرات خاصة متخصصة ولا يلزم أن تكون كبيرة بل متخصصة ومنتشرة في المدن والمنافذ الجمركية في جميع أنحاء المملكة فهي ستقدم أكبر خدمة للمواطن بالارتقاء بالجودة النوعية وسلامته الغذائية والصحية والعامة، وحبذا لو كانت بعض هذه الشركات شركات مساهمة عامة حتى تعم الفائدة.
من يراجع المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية الخاصة بالترخيص المبدئي التي حددت مدته بستة أشهر ليقوم صاحب الترخيص باستكمال الهيكل التنظيمي للمختبر وتعيين المدير الفني السعودي وكأنهم متوافرون مثل الرز، وتحديد الكادر الفني اللازم لتشغيل المختبر، مع تقديم صورة مصدقة من مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم ودراستهم التدريبية، وتحديد الأجهزة والمعدات اللازمة، وشهادة الاعتماد من هيئة المواصفات والمقاييس وتقديم موافقة من الأمانة التي تجيز مزاولة النشاط من هذا المكان؟ والمادة السادسة تنص على أن الترخيص المبدئي يلغى في حالة مضي ستة أشهر دون استكمال المتطلبات السابقة؟
أليس هذا تعجيزا أو وضع صاحب الترخيص تحت رحمة موظف الدولة؟ كيف يوظف موظفون متخصصون، وإن كان بعضهم من خارج المملكة ابتداء، كيف يستقدمهم أو يوظفهم من المختصين من المواطنين والمواطنات ويبدأ في تدريبهم ويوظفهم ويدفع لهم وهو يعلم أنه إذا لم يحصل على كامل المتطلبات يلغى ترخيصه المبدئي . ألم يكن من الأجدى أن يعطى سنة أو أن يضاف إلى المادة أنه إذا أثبت جديته في تحقيق المتطلبات من تقديم أوامر شراء للأجهزة والمعدات وعقود إيجار أو مشروع بناء خاص للمختبر أو غيره من الخطوات الجدية، يجدد الترخيص المبدئي لمدد متساوية، أم يظل تحت رحمة موظف الدولة، ونتساءل كيف يأتي الفساد الإداري أو التفضيل بين مستثمر وآخر؟ إن مبدأ تمديد الترخيص الابتدائي يعمل به في كثير من الجهات الحكومية عندما يثبت المستثمر جديته.
والمادة الحادية عشرة من اللائحة تنص على "أن يصدر الوزير المختص عند الحاجة، القرار اللازم للاستعانة بالمختبرات الخاصة المؤهلة المرخصة". فإذا كانت هذه المختبرات مؤهلة ومرخصة من الجهة المختصة فلماذا تنتظر المختبرات الخاصة قرار الوزير، أم سيكون هناك خيار وفقوس، إلا إذا كان النظام وضع للسماح لأفراد دون غيرهم بإنشاء المختبرات الخاصة ولا أظن ذلك، ولا حاجة إلى قرار أي وزير بالاستعانة بالمختبرات الخاصة، لأن صدور النظام كاف لإثبات الحاجة لها، ولن ترخص هيئة المواصفات والمقاييس لأي مختبر لا حاجة له أو يوجد عائق أمني أمامه.
وتنص المواد السابعة والثامنة عشرة من اللائحة "يتم سحب العينة المستوردة لاختبارها لغرض الفسح الجمركي من قبل فنيين تابعين لوزارة الداخلية أو الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو من يفوضونه كل في حقل اختصاصه، وأن يتم سحب العينة من السلع المعروضة في الأسواق، أو المخزنة في المستودعات, أو من المصانع لغرض الاختبار من قبل مفتشين فنيين تابعين للوزارة المختصة كل في حقل اختصاصه".
إن هاتين المادتين تبدوان طبيعيتين لأنهما تعطيان الرسمية لموظف الوزارة، الذي يسحب العينات بينما في الواقع هي مادة تميز بين الموظفين الحكومي والخاص . كيف نسمح للطبيب الخاص بعملية قلب أو زرع كلية ولا نسمح لموظف القطاع الخاص المؤهل والمرخص له من هيئة المواصفات والمقاييس بسحب العينة مباشرة طبقا لمواصفات وشروط الهيئة المسؤولة عن المختبرات؟ وكما نعلم أنه لا يوجد العدد الكافي من الفنيين المختصين الحكوميين والأجهزة الكافية للقيام بعمليات الكشف وتدقيق المستندات ومطابقة البيانات وفي الوقت نفسه سحب العينات للإرساليات الواردة أو المنتجات المصنعة أو التي في الأسواق والمخازن، وتجهيزها لمزيد من الفحوصات والتحاليل المتخصصة.
ولا أعلم لماذا تتدخل الوزارات المختلفة في إصدار التراخيص، إلا لأن لدى كل وزارة مختبراتها الخاصة ولذلك لن تتنازل هيئة أو وزارة عن مختبراتها وسيطرتها بينما الأفضل أن تكون الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس هي المسؤولة عن جميع المختبرات ومراقبتها وتراخيصها وتجديد التراخيص، ما عدا مختبرات الغذاء والدواء والأجهزة الطبية فتكون من اختصاص هيئة الغذاء والدواء، وعلى كل وزارة أن تقدم متطلباتها من الفحوص المطلوبة للهيئة التي تحدد طرق سحب العينات وحفظها وفحصها والخطوات المتبعة لفحص كل عينة حسب المواصفات السعودية المعتمدة. كما يمكن أن تأخذ الهيئة رسوما لها تصرفها مباشرة على تطوير وتحسين خدمة ومراقبة المختبرات الخاصة والحكومية، ولا داعي لكل هذا التداخل وتوزيع المسؤوليات وزيادة أعباء الدولة من مصاريف وبيروقراطية غير منتجة وللموضوع بقية .