هيئة الإسكان بعد عام من التأسيس
مضى أكثر من عام ونصف على إقرار تنظيم الهيئة العامة للإسكان التي علقنا آمالاً كبيرة عليها لتطوير وحل مشاكل الإسكان. كما مضى قرابة العام على تعيين الدكتور شويش المطيري محافظاً لها وما زلنا في انتظار ما بجعبته من أفكار لإدارة أحد أكثر الملفات الاقتصادية تحدياً خلال السنوات المقبلة. لكن عاماً مضى ولم نسمع خلاله شيئاً عن ما تنوي الهيئة فعله أو عن التصور الذي يحمله المسؤولون فيها عن واقع ومشاكل الإسكان في المملكة وعن التوجه الذي ستسلكه الهيئة لحل تلك المشاكل.
قد تكون الهيئة قد انشغلت أو شُغِلت في بعض الأمور الإدارية كنقل الموظفين المختصين بشؤون الإسكان من وزارتي الاقتصاد والتخطيط ووزارة الشؤون الاجتماعية ، أو قد تكون انشغلت خلال هذه السنة بإعداد هيكلها التنظيمي ونظامها الإداري، لكن تلك الأمور الإدارية البحتة يجب ألا تؤخرها عن أداء مهمتها الأساسية المتعلقة بتنظيم قطاع الإسكان بما يكفل للمواطن الحصول على السكن بتكلفة ميسرة.
وكنت قد أشرت في مقال سابق إبان تأسيس الهيئة وتعيين الدكتور شويش المطيري محافظاً لها أن المهمة ستكون صعبة بالنسبة لهيئة الإسكان. إذ إن المهام التي أنيطت بها ومنها توفير السكن المناسب وفق الخيارات الملائمة للمواطن تمثل تحدياً كبيراً واجهته وفشلت فيه عدد من الوزارات التي باشرت المهام المتعلقة بهذا القطاع لفترة طويلة من الزمن, كما أن الهيئة من خلال السياسات والتشريعات التي ستضعها ستضطر إلى التعامل مع لاعبين لهم وزنهم وقدرتهم على التأثير في صناعة القرار الاقتصادي كملاك العقار.
إحدى المهام التي لا تحتمل التأخير وتوقعت أن الهيئة ستبادر بإنجازها أولاً إيجاد قاعدة معلومات إسكانية وإعداد الدراسات والأبحاث الإسكانية، حيث تبرز الصورة الحقيقية لقطاع الإسكان الذي تنقصه المعلومة الدقيقة, إذ إن البيانات المتعلقة بالقطاع الإسكاني تتوافر في نتائج المسوح السكانية والتعداد السكاني السابق الذي قامت به مصلحة الإحصاءات العامة، وتعد قاعدة يمكن للهيئة الانطلاق منها لإعداد الاستراتيجية السكانية للمملكة ومتابعة تنفيذها.
وتوفير بيانات عن قطاع الإسكان واحتياجاته المستقبلية سيحد من التخبط في تقدير الحاجات السكانية للمملكة خلال السنوات المقبلة الذي تقوم به عادة شركات التطوير العقاري وينشر بشكل دوري في الصحف المحلية, إذ إن هناك مصلحة لتلك الشركات بتضخيم أرقام الحاجات السكانية للمملكة لتحفيز الطلب على السكن بترسيخ قناعة لدى المواطن بالارتفاع المستمر في الأسعار، ما يتطلب توفير المعلومة من جهة محايدة كالهيئة العامة للإسكان.
التحديات كبيرة في ظل اقتصاد لا تتجاوز فيه نسبة المتملكين للعقار الـ 22 في المائة (ما يعني أن ما نسبته 78 في المائة من المواطنين يعانون صعوبات جمة في امتلاك السكن) ويستقطع السكن فيه ما نسبته 40 في المائة من دخل المواطن. وهنا يتطلب من الهيئة الإجابة عن السؤال التالي لتعريف المشكلة الأساسية: ما العوامل التي تعوق امتلاك المواطن للسكن؟ هل هي عوامل مادية بحتة أم أن هناك عوامل تنظيمية تسهم في تعميق المشكلة الإسكانية؟
أتمنى من الهيئة ألا تركز جهودها في البداية على تحفيز جانب الطلب من خلال توفير وسائل تمويل مختلفة سواء عن طريق البنوك أو عن طريق مؤسسات التمويل العقاري أو عن طريق الصناديق الحكومية لأن المشكلة ليست تمويلية بحتة, إذ إن التركيز على الجانب التمويلي من المشكلة لن يؤدي إلا إلى المزيد من الاضطراب في سوق الإسكان بزيادة تكاليفه فقط ومن ثم استفادة المطورين ومالكي الأراضي على حساب المواطن طالب السكن.
لكن على الهيئة إذا أرادت التصدي للمشكلة الحقيقية التي تواجه قطاع الإسكان أن تركز على الحد من تقييد جانب العرض من الأراضي السكنية من قبل ملاك الأراضي (التقليديين) الذين يستفيدون بتضاعف قيمة أصولهم العقارية مع كل زيادة في الطلب من قبل المواطنين. والتصدي لهذه المشكلة يتطلب جرأة من قبل المسؤولين في الهيئة لأنهم يواجهون خصماً صعب المراس كان له دور كبير في تفاقم مشاكل الإسكان على مر السنوات الـ 30 الماضية.
وفي سبيل ذلك فإنه مطلوب من الهيئة أن تضع سياسات تسهم في الحد من الحيازة الطويلة الأجل للأراضي كفرض الزكاة أو الضريبة أو ربط مدة الحيازة برسوم إدارية لتحفز الملاك على البيع بدلاً من الحيازة الطويلة الأجل. وهذه الرسوم يمكن أن تفرض لتغطية تكاليف الخدمات المارة بهذه الأراضي التي يتم تحويل تكلفتها إلى المستهلك النهائي ما يسهم فقط في تعظيم ثروة الملاك. وهذا في حد ذاته سيمثل تحدياً كبيراً آمل ألا يزيد من (صمت) الهيئة.