تحديات البنوك السعودية في 2009
في عالم الاقتصاد والمالية، فإن بداية العام لا تعدم التحديات كنهاية العام الذي سبقه والعام الذي قبله ولكن تحديات هذه السنة أمام القطاع المصرفي السعودي هي بلا شك أكبر من التحديات في الأعوام الخمسة الماضية على الرغم من أن وضع النظام البنكي السعودي يعد حالياً من الأفضل عالمياً بكل المقاييس بدءا بجودة الرقابة، مروراً بمستويات الكفاءة والفعالية، ووصولاً إلى توافر فوائض مالية تراكمت في السنوات الخمس الماضية تضمن أداء متميزا للقطاع البنكي نسبياً ويقلل من حالة عدم اليقين ومستمداً قوته من الثقة بأداء الاقتصاد الحقيقي مقارنة بالنظم المصرفية في مناطق أخرى تترقب العام المقبل بوجل نظراً لتبعات أزمة الائتمان والأزمة الاقتصادية العالمية. فكما يقتات القطاع البنكي على أداء الاقتصاد الحقيقي، فإنه يغذيه ليعكس القطاع البنكي والمالي عموماً أداء الاقتصاد الحقيقي بالطريقة نفسها التي يشير بها الاقتصاد الحقيقي إلى أداء، فعالية، وجودة القطاع المالي والبنكي على وجه الخصوص. وأخصص القطاع البنكي عند تناول الاقتصاد السعودي للارتباط القوي والذي تكون عبر الزمن بين القطاع البنكي والقطاعين العام والخاص السعوديين مقارنة بمكونات القطاع المالي الأخرى كالسوق المالية ووسطاء الأوراق المالية، حيث إن القطاع البنكي تمكن من الهيمنة على مصادر التمويل الأخرى وأثبت قدرته على نيل ثقة قطاع الأعمال في ظل تواري السوق المالية في التسعينيات وتراجع جاذبيتها بتزامن مع هبوط السوق منذ شباط (فبراير) 2006 تدريجياً. بيد أن هذا لا يعني غياب السوق المالية - التي تضطلع الأذرع الاستثمارية للبنوك السعودية فيها بدور قيادي بارز- كبديل تمويلي للقطاع الخاص السعودي, ولكنه قد يشير إلى أن خيار لجوء القطاع الخاص إلى السوق المالية كخيار تمويلي بشكل واضح سيظل كامناً لحين رجوع السوق إلى وضعها الطبيعي ولكنها لن تتمكن من الاستحواذ على حصة كبيرة ومستدامة من السوق على حساب القطاع البنكي في المدى المتوسط، وقد يحدث ذلك في المدى الطويل.
وعند تناول نموذج البنوك التجارية في العموم، فإنها ترتكز إلى ثلاث أرجل رئيسة هي مصرفية الشركات، مصرفية الأفراد، والمصرفية الاستثمارية (وبالإمكان فصلها كبنوك استثمارية) لتشكل بجانب النشاطات الأخرى كالخزانة وغيرها من الخدمات كتقنية المدفوعات والاستشارات أعضاء الجسد المصرفي. فلتوقع أداء القطاع البنكي السعودي في العام الميلادي الحالي 2009، يجب تناول أداء مختلف الوحدات بالتحليل وربط كل ذلك بتوقعات أداء الاقتصاد الوطني وتأثيراته في مختلف الأقسام لأن الرابط الأخير في الحلقة هو الاقتصاد الحقيقي وتغيراته. وتغيرات الاقتصاد الحقيقي قد لا تطول أقسام ووحدات البنوك بالتأثير نفسه على الرغم من ارتباطها ببعضها بعضا بشكل أو بآخر، فتأثير تغيرات الاقتصاد الحقيقي على أقسام البنوك يختلف في درجة التأثير وفي مداه الزمني تبعاً لطبيعة القسم وارتباطه بنشاطات قطاعات محددة من الاقتصاد الكلي مع أن التأثير المنتظم للتغيرات الاقتصادية الكلية والمتغيرات الخارجية قد يطول أداء جميع الوحدات والأقسام دون استثناء كالحال عند رفع أو تخفيض أسعار الفائدة أو الاحتياطي الإلزامي.
فبقراءة للمصرفية الاستثمارية في السوق السعودية، فإن عظامها ما زالت طرية بالنظر إلى فورتها السريعة في السنوات الخمس الماضية وصعودها الدراماتيكي وتباطؤها السريع بعد ذلك أيضاً، حيث إن صعود المصرفية الاستثمارية إلى الواجهة كان طبيعياً ومتوقعاً منذ أواخر التسعينيات بناء على المقومات المحلية والعالمية وتوجه الاقتصاد المحلي نحو التخصيص والاستفادة من دور السوق المالية لتمويل النمو بين عامي 2003 و2006. وعلى الرغم من ذلك، فإن تراجع نشاط المصرفية الاستثمارية محلياً بدأ مع تراجع أداء السوق المالية السعودية وسقوط نموذج البنوك الاستثمارية عالمياً ودخول الاقتصاد العالمي في دورة ركود بعد ذلك. إذن، فالمتوقع أن تواجه أقسام المصرفية الاستثمارية والبنوك الاستثمارية وشركات الوساطة وضعاً صعباً في هذا العام لأن أسباب التراجع في عوائدها في العام الماضي والذي سبقه ما زالت قائمة من تراجع عوائد مختلف النشاطات وارتفاع تكاليف التوظيف. لذا، من المتوقع أن نرى خروج لبعض شركات الوساطة المرخص لها من السوق وحصول عمليات دمج واستحواذ أفقية.
وفيما يخص أقسام مصرفية الشركات في البنوك السعودية للعام الماضي 2008، فإن النصف الأول كان يمثل امتداداً للأداء المتميز والاستثنائي من ناحية ارتفاع حجم محفظة القروض بقطاع الشركات وتوافر السيولة والعملاء بطريقة تحقق توازناً سوقياً بين العرض والطلب يجعل هامش الإقراض في نطاق مقبول مقارنة بسعر الإقراض بين البنوك السعودية (السايبر) وبتوفير ارتفاع في كمية القروض تشير إلى توسع الاقتصاد المحلي وسعي القطاع الخاص إلى تعظيم القدرة الاستيعابية في ظل النمو الاقتصادي. ولكن الصورة بدأت في التغير في النصف الثاني وخصوصاً في الأشهر الأخيرة، حيث أصبح توافر السيولة هاجساً لهذه الأقسام وأضحى توفير الإقراض خاضعاً لمعايير غاية في الشدة والتدقيق نظراً لبروز فجوة طلب أدت إلى ارتفاع أسعار الإقراض نظراً لكبر حجم الاقتراض مقارنة بالمتوافر للإقراض مع تحوط البنوك. هذه الحالة من شح السيولة قد تستمر لغاية منتصف العام الحالي 2009 بناء على المعطيات الحالية، وستستفيد أقسام مصرفية الشركات من تمويل شركات الإنشاءات والمقاولين الذين يتعاملون مع مشاريع القطاع العام والمرتبطين بالإنفاق الحكومي. لذلك، بعكس السنوات الخمس الماضية، من الأرجح أن تشهد أقسام مصرفية الشركات تركزاً قطاعياً وانتقائية في التمويل وتوزيع محفظة القروض لتركز على القطاعات المرتبطة بالإنفاق الحكومي.
أما مصرفية الأفراد، فهذه السنة مليئة بالتحديات أيضاً، حيث إن حجم محفظة الإقراض سيشهد تراجعاً بسبب النظام الجديد الذي يتطلب أن لا يزيد إجمالي القروض الفردية بما فيها بطاقات الائتمان على ثلث الراتب بعد أن كان هذا مطبقاً فقط على القروض الشخصية. هذا التراجع في حجم الإقراض سينعكس سلباً على أداء هذه الأقسام وستضطر إلى التركيز على عوائد الرسوم لحين التأقلم مع التراجع الجديد. لذا، من المتوقع أن نجد أهداف أداء أقل لهذه الأقسام وتراجع عن مستويات التوسع القياسية التي تم تحقيقها في السنوات القليلة الماضية.
ختاماً، سيحمل العام الحالي الكثير من التحديات للبنوك السعودية، وقد تتأثر معدلات الأداء سلباً، إلا أنها تظل في وضع أفضل نسبياً مقارنة بقطاعات البنوك في الدول الأخرى. ولمواجهة التحديات، من المؤكد توجه البنوك السعودية في هذا العام إلى رفع مستويات الكفاءة وتقليل التكاليف من خلال القيام بعمليات دمج وتقسيم لإدارات وأقسام مختلفة بجانب التركيز على العوائد غير التمويلية كالخدمات التقنية ونظم المدفوعات والاستشارات.