هل دخلت السوق المالية السعودية طور النضج؟
دخلت السوق المالية يوم الغد ـ بعون الله تعالى ـ أول أيام العام الميلادي الجديد 2009 بعد مرورها بمجموعة من التطورات الرئيسة في أدائها خلال العام الميلادي الماضي. كثيرة هي الآفاق التي تسعى إلى تحقيقها السوق المالية السعودية خلال هذا العام وكثيرة في الوقت ذاته التحديات التي قد تصادفها.
وعلى الرغم من مجموعة الآفاق والتحديات المتوقعة، إلا أن القراءة الشمولية لمستقبل السوق المالية السعودية خلال العام الحالي من الأهمية بمكان كونها تغطي جزءا من التوقعات التي من الممكن إدراجها ضمن مصادر رسم ملامح المستقبل العديدة والمنتشرة في أرض الواقع.
تختلف قراءة توقعات أداء السوق المالية باستخدام الموجات الاقتصادية عن طرق قراءات توقعات الأداء الأخرى، كالتحليل الفني، والأساسي، والإداري، في أنها تعتمد على نظرة شمولية لتطورات دور السوق المالية ضمن منظومة الاقتصاد المحلي خلال عقود من الزمن.
تدمج نتائج هذه القراءة لاحقا بالتطورات السياسية والاجتماعية السابقة والحالية لمنظومة الاقتصاد المحلي في محاولة لقراءة تطورات السوق المالية المقبلة.
عديدة هي الفوائد عندما نقرأ تطورات السوق المالية السعودية خلال الـ 23 عاما الماضية في محاولة لرسم ملامح السوق المالية السعودية خلال العام الميلادي الحالي. خلصت هذه القراءة إلى أن السوق المالية السعودية مرت بخمس موجات متشابهة إلى حد كبير في الملامح، والخواص، والسلوك.
فالموجة الواحدة طولها أربعة أعوام. يمثل كل عام طورا من أطوارها. تنشأ الموجة في العام الأول "النشأة"، وتنمو في العام الثاني "النمو"، وترشد في العام الثالث "الرشد"، وتنضج في العام الرابع "النضج". تتشابه هذه الأطوار أيضا إلى حد كبير في الملامح، والخواص، والسلوك من موجة إلى أخرى.
ما يهمنا في هذا السياق تطورات الطور الرابع "النضج" من أطوار الموجة الواحدة. تميز طور "النضج" في العديد من الملامح، والخواص، والسلوك من المفيد مدارستها من واقع أطوار "النمو" الخمسة الماضية (1989، 1993، 1997، 2001، 2005) خلال الموجات الخمسة الماضية (1986-1989، 1990-1993، 1994-1997، 1998-2001، 2002-2005) في محاولة لرسم ملامح طور "النضج" الحالي (2009) للموجة السادسة الحالية (2006-2009).
تميز طور "النضج" (1989) للموجة الأولى (1986-1989) بوصول مؤشرات السوق إلى أعلى مستوياتها، حيث نمت القيمة السوقية بنهاية كانون الأول (ديسمبر) إلى مستوى 107.30 مليار ريال، وكسر المؤشر العام حاجز الألف نقطة عند مستوى 1086.83 نقطة، وتحسن العمق المالي إلى نسبة 3.13 في المائة من القيمة السوقية.
تكرر السلوك ذاته في طور "النضج" (1993) للموجة الثانية (1990-1993)، وطور "النضج" (1997) للموجة الثالثة (1994-1997)، ولكن بمخالفة طفيفة في العمق المالي. عاد طور "النمو" (2001) للموجة الرابعة (1998-2001) لسلوك سلوك أطوار "النمو" للموجتين الأولى (1986-1989) والثانية (1990-1993). نمت القيمة السوقية ومواصل المؤشر العام صعوده بوتيرة طفيفة مع تحسن في العمق المالي. تكرر السلوك ذاته في طور "النمو" (2005) للموجة الخامسة (2002-2005) بنمو القيمة السوقية.
بناء على ما تقدم، فإنه يتوقع دخول السوق المالية السعودية خلال هذا العام في طور "النضج" (2009) للموجة السادسة (2006-2009). يتميّز هذا الطور عن سابقه، طور "الرشد" (2008)، باستدامة نمو القيمة السوقية، ومواصلة المؤشر العام صعوده إلى مستويات متواضعة مقارنة مع تحسن العمق المالي كما حدث في أطوار "النمو" السابقة، (1989، 1993، 1997، 2001، 2005). يؤخذ في الحسبان العديد من التطورات التي ستشهدها السوق المالية السعودية خلال هذه العام، والتي من أهمها، التوسع إصدارات أوراق مالية جديدة كالصكوك وانعكاسات هذا التطور على مستويات السيولية.
تواجه زاوية القراءة هذه بعض المعارضة من مجموعة من الباحثين الاقتصاديين، عطفا على فرضية أن دور المؤشرات الاقتصادية في التأثير في الموجات الاقتصادية يتباين من موجة إلى أخرى. وبالتالي، فإن قراءة الموجات الاقتصادية السابقة لا تعطي مدلولات كافية حول ملامح الموجة الاقتصادية المقبلة.
وبدرجة المعارضة نفسها، تواجه الزاوية التي قرأت منها التطورات تأييد مجموعة أخرى من الباحثين الاقتصاديين، عطفا على فرضية أن الاقتصاد يمر بموجات متعاقبة تتشابه في الملامح، والخواص، والسلوك. وبالتالي فإن قراءة الموجات الاقتصادية السابقة قد تساعد على رسم ملامح الموجة الاقتصادية المقبلة.
وبين معارض ومؤيد، يبقى الحكم على استمرار السوق المالية السعودية في طور "النضج" (2009) للموجة السادسة (2006-2009) مرهونا بمدى القناعة ليس بإعادة التاريخ نفسه فحسب، وإنما بمنطقية زاوية القراءة، وعلاقة الشواهد بالتطورات.