المحرقة النازية في غزة..!
يتحدث السياسيون والمثقفون والإعلاميون بين فينة وأخرى عن شيء اسمه: "المحرقة النازية في أوروبا ضد اليهود", وأذكر أني دخلت مرة في واشنطن - العاصمة الأمريكية - متحفاً لضحايا المحرقة النازية, كما يزعمون, فرأيت فيه صوراً ومشاهد لبعض أولئك الضحايا, وبغض النظر عن صدق تلك (الرواية), أو كذبها, فإن ما يحدث اليوم على ثرى غزة من مجازر وحشية, ومن إعدام جماعي, يفوق بمراحل تلك الصور المنشورة في ذلك المتحف..! إنها محرقة في أرض فلسطينية, وبأيدٍ صهيونية, يديرها مجرمو حرب, وعصابات إبادة, تجردوا من آدميتهم, وتخلوا عن إنسانيتهم, فهم وحوش كاسرة في صورة بشر..!
إنها محرقة يهودية نازية, لا تستثني حيواناً لبهيميته, ولا إنساناً لآدميته, بل لا ترحم طفلاً لطفولته, ولا شيخاً لشيخوخته, إنها محرقة تدار بامتياز من تل أبيب؛ وذلك لتفشل أسلوب الممانعة, وتنسف مشروع المقاومة, ولكن هيهات!
إن أطماع اليهود لا تقف عند حدود فلسطين كما لا يخفى, بل تتجاوزها (حسب معتقدهم المعروف) من البحر إلى النهر, وقد أفشلت المقاومة المسلحة هذا المخطط اليهودي, وجعلت آمال دولة الكيان الصهيوني تتبد في الهواء الطلق, فكانت المقاومة بهذا الصمود المدهش خط الدفاع الأول عن الدول العربية المجاورة, ولهذا فإن أي فشلٍ لمشروع المقاومة, فإنه يعني عودة إحياء الأمل اليهودي في بعض الأراضي العربية, كما يدل على ذلك بعض ما هو معلن من معتقداتهم, تحت شعار"إسرائيل من البحر إلى النهر", فهل سنخذل هذه المقاومة الحرة التي تدافع بالوكالة عن عديد من البلاد العربية؟
وبالمنظار الإنساني - فضلاً عن الإسلامي - فإن من أبسط حقوق هؤلاء المدافعين عن الأمة وهويتها أن نقدم لهم ما أمكن من وسائل الحماية والنصرة, ومن شاحنات الغذاء والدواء, ولا سيما هم من جلدتنا, ومن أبناء ملتنا, فدمنا واحد, وديننا واحد, وقبلتنا واحدة, وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (المسلم أخو المسلم, لا يظلمه, ولا يسلمه, ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة...) وقوله: (لا يسلمه) أي: لا يتركه فيما يؤذيه, أو مع من يؤذيه, بل ينصره ويدفع عنه, وزاد الطبراني من طريق أخرى: (ولا يسلمه في مصيبة نزلت به) وهل هناك أعظم مصيبة من مصيبة إخواننا في غزة, ممن أريقت دماؤهم, وتطايرت أشلاؤهم, وحبسوا تحت الأنقاض..؟!
إنه لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره طاوياً, فما الظن إذن بشعب أعزل يبيت كله طاويا؟ وما الظن بشعب يقتل كله, ويذبح كله, بآلة الغدر الصهيوني؟ لئن أسلمناهم إلى عدوهم, فتخلينا عن واجبنا الإسلامي والإنساني, فنحن شركاء في الجريمة, شركاء في الحرب, متجردون عن النخوة والكرامة, عياذاً بالله!
إنها فرصة للمسؤولين في بلادنا ليقولوا للعالم أجمع:
لا للظلم والوحشية والعدوان..
لا لقتل الشيوخ والنساء والصبيان..
لا لاستباحة الديار والمساجد والعمران..
إن وقوفنا مع أهالينا في غزة يترجم معاني كريمة, منها:
أننا أهل للنخوة والكرامة...
أننا أهل للفداء والتضحية..
وهكذا كانت السعودية, وستبقى بإذن الله تعالى..
وإن تعجب, فعجب ممن يرى الدماء تسيل في شوارع غزة وأزقتها, ويرى الصواريخ والقذائف تنهال على رؤوس شيوخها ونسائها وأطفالها, فلا يرفع رأساً بنصرة المظلومين والمقهورين, ولا يحرك لساناً بذم الصهاينة والمحتلين, ولكنه يحرك لسانه, ويوظف قلمه؛ للنيل من إخوانه المسلمين في غزة...! وربما اشتغل لسانه, وحرك قلمه للحديث عن زواج الصغيرات, أو عن هضم حقوق الموظفات, أو عن حوادث الهيئات, وكأنه لا يوجد شعب يذبح في غزة بدم بارد! وإني أتساءل: هل يليق بمن هذا حاله أن يتحدث عن حقوق الطفل, أو المرأة, أو الإنسان؟
من لا يرق قلبه للرضيع وهو مضرج بدمائه, ولا يقشعر جلده للطفل وهو مسجى بجدار البيت وغباره, ولا ينزل دمعة للمرأة المكلومة, والأمة المسلوبة, فجسده خالٍ من الحياة, قفر من المشاعر, لا ينبت عاطفة صادقة, ولا يزهر حباً خالصاً, وإنما ينبت ما أشرب من هواه!
إنه حق على أهل العواطف الصادقة, والقلوب الطاهرة, أن يبذلوا من أموالهم, وقد فتحت المعابر رسميا لشاحنات الإغاثة, والندوة العالمية للشباب الإسلامي مشكورة تستقبل الصدقات, وهي جهة رسمية موثوقة, فلا عذر لنا أمام الله تعالى إن لم ننصر إخواننا بالغذاء والدواء (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله, فمنكم من يبخل, ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه, والله الغني وأنتم الفقراء, وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم, ثم لا يكونوا أمثالكم) نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا, وتقصيرنا في حق إخواننا, وألا يعاقبنا بتباطؤنا, آمين.