رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ماذا لو أصبحت أسعار الفائدة بالسالب؟

في مقالي الأخير، تحدثت عن أن مخاطر الانكماش deflation riskهي أشد ضرراً على أي اقتصاد من مخاطر التضخم, وأن الأمور قد تتعقد لو استمر الانكماش ودخل فعلاً في المنطقة السالبة مما يعني أننا قد نرى أسعار فائدة بالسالب، وهنا تبرز التساؤلات المهمة: ماذا لو أصبحت أسعار الفائدة بالسالب؟ وما انعكاسات ذلك على الاقتصاد؟
بداية، يجب أن نضع في اعتبارنا أنه عندما تقرر البنوك المركزية تخفيض أسعار الفائدة إلى السالب, فإن هذا يحدث عندما يكون هناك نمو سلبي في قيمة الناتج المحلي الإجمالي يصاحبه نمو سلبي في تكاليف المعيشة (التضخم)، مما يعني حدوث تقلص في عوامل الإنتاج والأنشطة الاقتصادية في بيئة تكون فيها المحافظة على رؤوس الأموال مهمة صعبة المنال وهي بالتأكيد مرحلة صعبة تمثل تحدياً حقيقياً للسياسة النقدية التي تسعى إلى تحفيز الاقتصاد للعودة مجدداً إلى مرحلة النمو الإيجابي.
في مثل هذا الوضع، سنجد أن المصارف التجارية ستكون إحدى أهم الضحايا لأن ودائع العملاء ستصبح عبئاً عليها وسيقل الطلب على الائتمان من قبل العملاء، بل إن المصارف قد تجد نفسها في وضع لا يسمح لها بمنح الائتمان إلا وفق شروط وضمانات أكثر تشدداً. لذلك، من المتوقع أن تفرض المصارف رسوم على العملاء تتناسب نسبتها مع نسبها أسعار الفائدة على الودائع الجارية وأن تفرض رسوما بنسبة أقل على الودائع الادخارية (لأنها ادخارية), في حين ستكون عمليات الإقراض هي المصدر الرئيس للدخل، إلا أن محصلة ذلك أن ربحية المصارف عموماً ستتأثر سلباً من هذا الوضع الاستثنائي.
قياساً على ما سبق، ستكون البيئة الاستثمارية بيئة طاردة لرؤوس الأموال لأن وجود أسعار فائدة بالسالب يهدف بشكل رئيس إلى توجيه رؤوس الأموال هذه نحو الأنشطة الاقتصادية المختلفة بدلاً من توجيهها نحو النظام المصرفي، وهذا بدوره يعني أن المصارف الاستثمارية قد تلعب دوراً مهماً في هذه المرحلة من خلال تجميع رؤوس الأموال وتوجيهها نحو تأسيس شركات أو مصانع حديثة التأسيس قد تساهم في تقليص النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل.
بشكل عام، أود أن أشدد على أنه ليس من السهل على أي بنك مركزي تخفيض أسعار الفائدة إلى السالب ومن السابق لأوانه الحديث عن مثل ذلك لأن حالة الانكماش هي في الأساس حالة نادرة لم يسبق حدوثها إلا في اليابان خلال حقبة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، إلا أن الولايات المتحدة قد تواجه مثل هذه الحالة مستقبلاً بعد أن وصلت أسعار الفائدة نقطة الصفر وبعد أن دخل اقتصادها مرحلة الركود والذي قد يكون الأعنف منذ عقود من الزمن وهو ما قد يلقي بظلاله على نمو الاقتصاد العالمي!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي