محفظة الاستثمار الحكومية .. متى نراها؟!

بلغ السيل الزبى وجاوزت خسائر سوق الأسهم السعودية المقاييس المتعارف عليها في الأسواق وأصبحت السوق مجال تندر لكثير من المساهمين الذين أصبحت غالبيتهم ضحايا لهذه السوق التي أتت على الأخضر واليابس, وأصبح تدخل الدولة, وإن جاء متأخراً, من الضروريات الأساسية لإنقاذ ما بقي من عظام السوق قبل أن تتكسر. وقد آن الأوان لخروج محفظة مالية استثمارية مليارية حكومية طويلة الأجل لسنتين أو ثلاث مثلاً للاستثمار في هذه السوق وممارسة دور صانع السوق بالتعاون مع المؤسسات الحكومية الأخرى كمصلحة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية والبنوك, وفق أسس استثمارية مهنية موضوعية تهدف إلى إنعاش السوق, ومن ثم تحقيق عوائد مناسبة لهذه المحفظة. وربما يرى بعض المسؤولين أنه لا تجب المغامرة باستثمار الأموال العامة في مثل هذه السوق المتذبذبة, وغاب عن هؤلاء أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا تستعمل الآن أموال دافعي الضرائب لإنقاذ أسواقها ومؤسساتها, بل إن بريطانيا أعادت إلى الذاكرة سيرة كارل ماكس بتأميم بعض البنوك المحلية التي تعرضت لمتاعب بسبب الأزمة المالية التي أصابت العالم بذهول شديد. لقد أحسنت حكومتنا صنعاً بتطمين المواطنين بسلامة أنظمتنا المالية وأن لديها الاستعداد لدعم المؤسسات المالية عند الحاجة, ولله الحمد, فقد كانت بنوكنا في غير حاجة إلى هذا الدعم لسلامة رساميلها وارتفاع مدخراتها. لقد فقدت السوق السعودية أكثر من 58 في المائة من قيمتها, وهي أموال ذهبت أدراج الرياح وتأثر كثير من المواطنين من تآكل مدخراتهم وخراب بيوتهم وأن وجود أموال المحفظة في السوق أمر جيد وفاعل ويجب على الدولة الحنية ألا تلتفت إلى الآراء الداعية إلى عدم أخذ مثل هذه المغامرة وإغراق الأموال العامة في غياهب السوق, وهذا الرأي الذي يصدر باستمرار عن بعض الاقتصاديين لا يدرك المصلحة العامة والجوانب الاجتماعية والمسؤولية للدولة كراعية لهذا الشعب ومواطنيه أن توفر السيولة في السوق عن طريق هذه المحفظة والاستثمار في شركات ذات عوائد اقتصادية مجزية, التي تمتع بمزايا اقتصادية جاذبة وبمكررات ربحية منخفضة سواء ما كان منها في قطاع البنوك أو شركات البتروكيماويات التي ربما تدخل الآن في الدورة الاقتصادية التي تستغرق بعض الوقت للمرور بكل مراحلها, خاصة أن الأزمة المالية العالمية دفعت كثيرا من الدول الصناعية إلى فترة ركود اقتصادي قد تستغرق بعض الوقت للاستيقاظ مرة أخرى. إن المحاولات التي بذلتها الدولة في السابق لم تصل إلى عقول المستثمرين في سوق الأسهم وإن تكرار القول بسلامة أنظمتنا المالية وأنه تجب معايشة ما يحدث لغيرنا هو أمر قابل للنقاش, ولكن المسؤولية الكبرى تقع على الدولة في إرسال رسالة مهمة للمواطنين إنها معهم في السراء والضراء التي تضرب في جيوب المساهمين وتؤثر في مدخراتهم ومستقبل أيامهم وهي أم الحاجات لدخول مثل هذه المحفظة إلى السوق, وإنني على ثقة, وأنا أحد المستثمرين في هذه السوق، بأن السوق ستنهض من عثرتها عندما تتوافر النيات الطيبة والوسائل المساندة الهادفة إلى إيقاظ هذا العملاق من هذا التراجع والكساد والانحدار. إننا استبشرنا خيراً بما ورد في اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 26/11/1429هـ من أن المملكة عازمة على صون استقرار الاقتصاد الوطني وحماية مكتسباته والحرص على متانة المؤسسات الاقتصادية الوطنية في ضوء الأزمة المالية العالمية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي ـ وإننا نتطلع إلى دخول محافظ الدولة الاستثمارية إلى السوق كعامل توازن بين العرض والطلب وأن يتم التركيز على الشركات ذات العوائد المجزية، ويشاركني كثير من الاقتصاديين الرأي، أن هذا الاستثمار سيعود بالفائدة على المستثمرين ومنهم الدولة مع أننا لا ننصح ببقاء هذا الاستثمار طويلاً في السوق وأن يتمتع بإدارة ذات كفاءة مهنية عالية وأن تعهد إدارته والإشراف عليه إلى صندوق الاستثمارات العامة مع الاستعانة ببعض المهرة من شبابنا المتعاملين في السوق الذين أثبتوا خلال الفترات الماضية قدرتهم ومهارتهم الفنية, حيث إن ذلك سيحقق للدولة مردودا اقتصاديا ووطنيا ونفسيا كبيرا جدا يفوق ما تحصل عليه استثماراتنا في السندات ذات العوائد المتدنية في الوقت الحاضر والمعرضة كثيراً لتذبذب أسعار العملات، كما أن على الدولة ومؤسسة النقد على وجه الخصوص أن تسارع إلى اتخاذ خطوات حثيثة لخفض أسعار الفوائد الأساسية "الريبو" إعادة الشراء ورفع سقف نسبة الإقراض إلى الودائع الرساميل للمؤسسات المالية, بل دعم هذه المؤسسات مالياً بإيداع بعض الأموال لديها لتساعدها على إعادة تنشيط سوق الإقراض وتشجيع القطاع الخاص للانطلاق مرة أخرى والسماح للشركات بشراء ما يوازي حتى 10 في المائة من أسهمها, وهو تقليد عالمي يلجأ إليه كثير من الشركات المتداولة عندما تجد أن سعر أسهمها جذاب للشراء, وهذا ما يشجع المستثمرين الآخرين على أن يحذو حذو هذه الشركات المتداولة لوصول الأسهم إلى قيمتها العادلة، ولعلي أذكر بعض المسؤولين عما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين في قمة العشرين من أن الأسواق لا يمكن تركها لتنظم نفسها, أي أن على الجهات المختصة أن تجد العلاج الناجع للأزمات المالية, وشمرت الكويت عن سواعدها ودخلت السوق بمحفظة مليارية نتمني لها النجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي