المعوقات المحلية لصناعة التأمين السعودية (2)
(المعوق الثقافي أو المعرفي لصناعة التأمين)
بدأت حديثي في المقالة الماضية عن معوقات صناعة التأمين في المملكة بالمعوق الرئيس وهو شرعية التأمين وسأتحدث في مقالتي هذه عن معوق آخر يتعلق بالجانب المعرفي أو السلوكي للمجتمع السعودي عن التأمين، ويمكن القول بدأت بأن ثقافة التأمين تُعد من الثقافات المتدنية جداً لدى المجتمع السعودي، فالتأمين يُنظر إليه باعتباره ممارسة مجهولة حتى عند قطاع عريض من فئة المتعلمين في المجتمع لدينا.
وكان اهتمام أفراد المجتمع السعودي بجانب واحد من جوانب المعرفة التأمينية وهو الجانب الشرعي، ولم يكن هناك اهتمام مطلقاً بالجوانب الأخرى على الرغم من أهمية هذه الجوانب، مثل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحتى الإنسانية للتأمين. وهذا ينسحب كذلك على مسألة الجهل الكبير فيما يتعلق بالحقوق التي تخولها وثيقة التأمين للمستفيدين منها.
ويمكن تبرير ذلك بحداثة تجربة التأمين في المملكة وبالوضع الاقتصادي المتميز الذي عاشه المجتمع السعودي لفترة من الزمن، والدور التكافلي الاجتماعي للمجتمع السعودي وللأسرة السعودية في السابق.
وأشير كذلك إلى أن كثيراً ممن كان لهم موقف مغاير من شرعية التأمين من الأفراد العاديين لم يحاول مطلقاً البحث عن مزايا التأمين بشكل موضوعي ومحايد، هذا إضافة إلى أن من كان لهم حكم بعدم شرعية التأمين من علمائنا الأفاضل انصرفوا عن البحث في الجوانب الأخرى للتأمين، فأصبح وكأن الحديث أو البحث فيه لاستدراك جوانبه وميزاته المفيدة نوع من أنواع المعصية.
ومما أسهم في تعقيد هذه المسألة ظهور كثير من الممارسات الخاطئة والتلاعب الكبير الذي حصل من بعض شركات التأمين في الفترة التي سبقت عملية تنظيم السوق، حتى بدا التأمين وكأنه بالفعل أكل لأموال الناس بالباطل مما عزز النظرة السلبية عن التأمين. ومما لا شك فيه فإن غياب الضوابط التنظيمية لسوق التأمين السعودية في السابق عزز من هذه النتيجة الدرامية بحيث أدى هذا الغياب في الضوابط إلى شيوع كثير من الممارسات الخاطئة والتي يمكن تصنيف كثير منها على أنها ممارسات احتيالية وفق الأعراف التأمينية. ولقد كانت هذه الممارسات تحصل من الجانبين وأقصد بذلك من جانب شركات التأمين ومن جانب العملاء.
وكانت صور التحايل بالنسبة لشركات التأمين تظهر جلية من خلال صياغة بعض الاستثناءات في وثيقة التأمين مما يفرغها من وظيفتها التعويضية أو رفض دفع التعويض للعميل بعد حصول الخطر بناء على حجج واهية أو طلبات تعجيزية تطلبها الشركة من العميل.
كما أن بعض الشركات التي تقوم بإعادة التأمين تقبض التعويض من شركات إعادة التأمين دون علم العميل وترفض بدورها تعويض العميل عن الضرر الذي حصل له بحجة عدم أحقيته للتعويض.
وبالنسبة للأفراد فإن صور التحايل تكون إما بتعدد وثائق التأمين التي يبرمها العميل عن الخطر الواحد في تأمين الأموال, ومن ثم يقبض العميل مجموعة التعويضات عن الضرر الواحد وذلك بعدد وثائق التأمين.
وقد شاع التحايل كذلك في التأمين على الرخصة والتأمين الصحي، وعزز من عمليات التحايل المتبادلة عدم وجود نظام قضائي فعال يحمي الحقوق ويردها لأصحابها. ولقد خفّت حدة ظاهرة التحايل في السوق السعودية للتأمين مع صدور نظامي الضمان الصحي التعاوني ومراقبة شركات التأمين التعاوني ولاسيما بعد إنشاء مجلس الضمان الصحي التعاوني الذي حاول جاهدا ضبط سوق التأمين الصحي، وما أدى إليه نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني من إسناد مهمة الرقابة على سوق التأمين السعودية إلى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما). إلا أن التحايل لم يتلاش من السوق لاسيما في التأمين الصحي حيث مازال مجلس الضمان الصحي يبذل مجهودات حثيثة للقضاء عليه وقد نجح المجلس في ذلك بنسبة كبيرة جداً.