ميزانية توسعية تعمل على بناء الثقة

ميزانية توسعية تعمل على بناء الثقة
ميزانية توسعية تعمل على بناء الثقة
ميزانية توسعية تعمل على بناء الثقة
ميزانية توسعية تعمل على بناء الثقة

هناك مفاجأتان في ميزانية المملكة لعام 2009. الأولى، هي أنها توسعية في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي أزمة حادة في الإنفاق، فميزانية المملكة تشتمل على برنامج للإنفاق من شأنه تشجيع القطاع الخاص. الثانية، هي أن الإنفاق الفعلي في عام 2008 ازداد (عن الميزانية المقررة) بمقدار 100 مليار ريال سعودي (26.66 مليار دولار)، أي أكثر من 24 في المائة من المبلغ المقرر للإنفاق.
السلطات السعودية مدركة تماماً أن عام 2009 سيكون عاماً صعباً من حيث إيرادات النفط، وهي تتوقع أن تسجل الميزانية عجزاً مقداره 65 مليار ريال. يمكن تغطية هذا المبلغ بسهولة بسحب المال من مجموعة الموجودات الأجنبية الهائلة التي تمتلكها المملكة والتي تزيد على 450 مليار دولار، على شكل موجودات أجنبية تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما).
#2#
يغلب على الناس أن تكون لديهم ذاكرة قصيرة. بالتالي ينبغي ألا نغفل عن الحقيقة التي تقول إن المملكة في عام 2008 سجلت أعلى فائض لها في التاريخ (ومقداره 590 مليار ريال سعودي)، في حين أن البلدان الأخرى في مجموعة العشرين تسعى إلى احتواء عجز الميزانية لديها، بل إن بعضها على حافة تلَقِّي مبالغ للإنقاذ من صندوق النقد الدولي.
#3#
يقدر أن تصل عائدات النفط إلى 1.13 تريليون ريال في عام 2008، وهو رقم قياسي آخر بالنسبة للمملكة. كذلك فإنه يغلب علينا أن نتجاهل الحقيقة القائلة إن بإمكان المملكة تغطية العجز المتوقع في الميزانية إذا ظلت إيرادات النفط فوق 450 مليار ريال في عام 2009، وهو سيناريو ليس مستبعداُ تماماً. تُحسَب الميزانية على أساس أن سعر برميل النفط هو 37 دولاراً. المخاطرة الوحيدة في هذا السيناريو هو إنتاج النفط. سيظل موضوع الإنتاج أكبر قضية في الفترة المقبلة حين تحاول منظمة أوبك تخفيض الإنتاج الإضافي.
ليس معنى هذا أننا نقول إنه لا توجد تحديات في المرحلة المقبلة، وفقاً للتقديرات الحكومية المبدئية، فإن من الواضح أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2008 انخفض بنسبة فاقت ما كان متوقعاً. من المؤكد أن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمقدار 4.2 في المائة هو أكبر من معدل النمو بنسبة 3.4 في المائة الذي سجلته المملكة في عام 2007، ولكنه بالتأكيد يقع على حدود القدرة على توليد أرقام توظيف قابلة للاستدامة.
لم يهبط الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2008 لمجرد الهبوط في إنتاج النفط، ولكن من الواضح أن ذلك يعود أيضاً إلى هبوط القطاع الخاص غير النفطي، الذي شهد هبوطاً من 5.8 في المائة في عام 2007 إلى 4.3 في المائة في عام 2008.
يذكر أن هبوط النشاط في القطاع الخاص غير النفطي حدث على خلفية زيادة لا يستهان بها في الإنفاق الفعلي. هذه الأرقام بالضبط هي التي دفعت السلطات السعودية للتدخل والإعلان عن ميزانية توسعية.
بالنسبة إلى الفرص التمويلية المحدودة لعام 2009 فيما يخص القطاع الخاص على المستوى العالمي والإقليمي، فإن السلطات السعودية في حاجة إلى اتخاذ إجراءات خاصة بها في المالية العامة لاحتواء تقلص القطاع الخاص. هذه الإجراءات ليست جديدة رغم أن الإجراءات في المالية العامة (المصممة للتصدي للتقلص) في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت واضحة إلى حد لا بأس به، إلا أن ميزانية عام 2009 هي الأكبر حتى الآن. يمكن بسهولة ملاحظة ذلك من خلال مبلغ الإنفاق الرأسمالي الذي أعلنت الحكومة عنه لعام 2009.
من المتوقع أن يزداد الإنفاق الرأسمالي بمقدار 36 في المائة، لمساندة برنامج البنية التحتية الذي تضطلع به الحكومة السعودية. وستكون لهذه الزيادة آثار واضحة تنتشر ملامحها على بقية الاقتصاد، وخصوصاً القطاع الخاص. تعد الزيادة في الإنفاق الرأسمالي هذه المرة مختلفة بوضوح عن الفترات السابقة حين انخفضت الإيرادات النفطية بصورة عجيبة. على سبيل المثال، في عام 1998 هبطت الإيرادات النفطية بمقدار 50 في المائة، وهبط الإنفاق الرأسمالي بمقدار 14 في المائة.
يبدو أن التضخم، الذي كان مصدر قلق متزايد لكثير من الناس، يسير في اتجاه عام يتسم بالسرعة والهبوط. بطبيعة الحال يعتبر معدل التضخم بنسبة 9.2 في المائة لهذا العام رقما مرتفعاً إلى حد كبير، قياساً على متوسط معدلات التضخم في المملكة، حيث كان المعدل 2.3 في المائة في عام 2006، و0.5 في المائة في عام 2005.
بالنظر إلى المرحلة المقبلة فإن التحدي أمام الاقتصاد السعودي ليس هو التضخم وإنما النمو. فحيث إننا نمر الآن عبر أعمق فترة انكماشية في الاقتصاد العالمي، فإن من المتوقع أن تصبح المملكة مستورداً صافياً للانكماش الاقتصادي. بالتالي فإن من المتوقع أن يهبط التضخم في المملكة في عام 2009. الأمر الذي يتسم بالأهمية الحادة هو آليات التنافس في الاقتصاد، حيث يشعر المستهلكون بالفوائد المترتبة على انخفاض تكاليف الواردات. ومن الأهمية بمكان كذلك دور الجهاز الحكومي الذي أنشأته حديثاً وزارة الصناعة والتجارة، وهو وكالة حماية المستهلك.
#4#
تم تخفيض الدين الحكومي، وهذه علامة طيبة، رغم أننا نعتقد أن وجود بعض الدين ليس بالأمر السيئ، وذلك لإدارة السيولة. نسبة الدين البالغة الآن 13.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تعد نسبة صحية تماماً.
أخيراً وليس آخراً، تستمر نفقات الميزانية في التركيز على القطاعات الحيوية بالنسبة للاقتصاد، بما في ذلك التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات البلدية. وقد تلقت جميع القطاعات المذكورة مخصصات إضافية من شأنها التأثير في حياة المواطن وكذلك خلق آليات للتنمية المستدامة.
هناك غالباً خطآن يرتكبهما كثيرون حين يحاولون تحليل جهود المملكة لتحسين البنية التحتية والموارد البشرية. الأول، هو افتراض أن الاستثمارات في هذين البندين ستكون لها نتيجة فورية. التغيرات الهيكلية التي من هذا القبيل تستغرق وقتاً وهي تغيرات عبر الأجيال. من السهل بناء المدارس والجامعات ولكن إعادة تدريب المعلمين عملية تستغرق وقتاً أطول بكثير من ذلك. حققت المملكة تقدماً كبيراً في هذا المجال، ولكنها لم تتلق الثناء الذي تستحقه والفضل. في عام 1970 كانت نسبة المتعلمين في المملكة ممن يجيدون القراءة والكتابة 15 في المائة للرجال و2 في المائة للنساء. وبحلول عام 2005 وصلت هذه النسبة بين البالغين، وفقاً لإحصائيات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 83 في المائة، وكان عدد النساء في الجامعات أكثر من عدد الرجال.
الخطأ الثاني: هو الافتراض القائم على اتهام الحكومة بأنها غير مدركة للتحديات التي تواجهها المملكة. والواقع أن السلطات مدركة لذلك وهي تتخذ الخطوات اللازمة لعكس العقبات الهيكلية، ولكن هذا الأمر يتطلب وقتاً. الأسئلة المهمة التي يجب طرحها الآن هي: كيف سيكون رد فعل السوق، وما درجة الإنفاق الفعلي أو الإنفاق الزائد على المقرر التي ستضطلع بها الحكومة في عام 2008، وإلى متى سيستمر الركود الاقتصادي العالمي.

الأكثر قراءة