رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وا أوباماه!!

لقد جرجرت الحفاوة ذيلها خيلاء وتبخترا في أقطار العروبة من المحيط إلى الخليج حين فاز (باراك أوباما) في سباق الرئاسة إلى البيت الأبيض، وكانت أمة العرب والأعراب تحبس أنفاسها وترهف السمع وتضع اليد على القلب وتشخص بالبصر تطلعا إلى الفارس الأسمر الذي انعقدت عليه الآمال وحطت عنده الرحال.

ومما لا شك فيه (إلا عند مغالط)، أن فوز (أوباما) أعطى مثالا ناصعا على أن الديمقراطية الأمريكية قدمت نموذجا أشد جسارة وحداثه وقدرة على تتويج الجدارة لمن يستحقها بغض النظر عن حسبه ونسبه أو عرقه، مثلما توجت قبله فلاحا بائع فستق (كارتر) للرئاسة، وتوجت أيضا معلقا رياضيا (ريجن) وتوجت ابن سكير وأسرة ممزقة (كلينتون) كذلك توجت بائع صحف جائلا (نيكسون) وغير أولئك كثيرون ممن يثيرون الدهشة والإعجاب بروعة ديمقراطية أمريكا.

على أن الشيء المؤسي المؤسف، الذي ظل يذبح من الوريد إلى الوريد، هو أن يظل العمى الذهني أو العرج الفكري مستحكما متحكما في بعض العرب والأعراب غير قادرين أو (غير راغبين) على إدراك أن الديمقراطية الأمريكية، (وإن كانت ديمقراطية حقة)، فإنها ليست سوى ديمقراطية انتقائية مقصورة على شعبها فحسب، وأنها لا تعرف سوى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (أي اللجوء إلى القوة)، لفرض إرادتها على غيرها من الشعوب (ومقرطتها!) بالغزو والقصف والاحتلال وسجلها ينوء بالمآسي والكوارث في فيتنام، الفلبين، كوريا، أمريكا اللاتينية، فلسطين، العراق، إفريقيا، وآسيا.. إلخ.

قبل ثلاثة أيام قدم (هانس بلكس) المفتش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق نموذجا فضائحيا عن نبل ديمقراطية أمريكا من خلال اعترافه بأن نائب الرئيس بوش (ديك تشيني) قد هدده (بحضور محمد البرادعي) بتشويه سمعته إذا لم يقم بتقديم شهادة (زور) بشأن وجود أسلحة دمار شامل وقبله اعتذر وزير الخارجية السابق (باول) عن قوله بوجود أسلحة دمار شامل في العراق جراء تضليل المخابرات الأمريكية الديمقراطية له!!

لا أرمي من وراء هذا المقال إلى إدانة أمريكا، فهي مدانة منذ الإبادات الجماعية للهنود الحمر - التي أشار إلى بعضها الكتاب المثير "فتح أمريكا" لتزفيتان تودوروف - بل أرمي فقط إلى الإشارة المكثفة إلى أن العرب والأعراب ظلوا دائما وأبدا يعتقلون التاريخ في مرآب القادم الجديد للبيت الأبيض.

حدث هذا منذ (هاري ترومان) الذي دشن عهده بإلقاء أول قنبلتين ذريتين (ديمقراطيتين) على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين وتوجه بالمبادرة بالاعتراف بقيام دولة إسرائيل عام 1948 مرورا بجنسون، كندي، نيكسون وحتى جورج دبليو بوش الذي شوى لحم أهل الرافدين ومزقه بالصواريخ (الديمقراطية) التي أفلتت وحوش الميليشيات الطائفية والمذهبية والعرقية وإرهاب الزرقاوي وفظائع سجن أبو غريب والسجون السرية الأخرى!

الأكيد أن مصدر الأفراح والأعراس التي أقامها العرب والأعراب في قلوبهم لفوز أوباما، قد جاء بعضها تشفيا ببوش فيما كان مصدر بعضها الآخر المرض الأمريكي المزمن فينا, المتمثل في التعويل على رؤساء أمريكا لإنصافنا من حليفهم الاستراتيجي (إسرائيل) منذ منتصف القرن الماضي وحتى فوز (أبو حسين)، كما يلذ للبعض (تدليع) (أوباما) ربما من باب (العشم) و(الميانة)!

مقابل ذلك كله، كان قد حدث في مستهل القرن الهجري الثالث أن تجرأ (علج رومي) فصفع أعرابية في مدينة عمورية إبان خلافة المعتصم فصاحت مستنجدة: (وامعتصماه!) فأخذت النخوة جدنا المعتصم (إن صح ذلك!) فأعلن النفير وقاد جيشا جرارا فتح به عمورية انتقاما وثأرا لجدتنا الأعرابية، وقد استدعى الشاعر الكبير الراحل عمر أبو ريشة هذه الواقعة بعدما سقطت فلسطين في أسر الاحتلال الإسرائيلي فقال قصيدته الرائعة التي يوبخ فيها الزعماء العرب آنذاك ومنها قوله:

رب (وامعتصماه) انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

وبعد .. لكأن حجم ما سمعناه وشهدناه من حفاوة وأمنيات معقودة على (باراك أوباما) يوحي بأن البعض منا يكاد يجأر بالشكوى: (وا أوباماه) وتلك صرخة أجزم أنها – مهما علت – فستكون في واد.. فما حك جلدك مثل ظفرك، لكن المؤسف أن أمة العربان تجد نفسها دائما وأبدا مدفوعة إلى استجداء أظافر غيرها ليس لحك جلدها بل إلى سلخه بها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي