كيف توفق الحكومة بين تقلب النفط والمضي في الإنفاق؟
تأتي الميزانية السنوية لعام 2009 التي حدد الإنفاق فيها بمبلغ 475 مليار ريال فيما قدرت الإيرادات بنحو 410 مليارات ريال، ودول العالم قاطبة تعاني أزمة مالية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، مما نتج عنه تباطؤ نمو في الاقتصاد العالمي ومن المتوقع انتقاله إلى ركود وربما إلى كساد اقتصادي شامل خلال السنوات المقبلة، مما ينبئ باستمرار تراجع الطلب العالمي على النفط وبتدهور أسعاره وهو يمثل الركيزة الأساسية والمحرك الرئيسي لاقتصاد المملكة، نظراً لأن عائدات النفط تشكل أكثر من 90 في المائة من إجمالي إيرادات التصدير السعودية، وبحدود 75 في المائة من عائدات الدولة، ونحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالرغم من تلك الظروف والتحديات، وانعكاساتها السلبية المباشرة على الميزانية العامة للسعودية للعام المقبل 2009، إلا أن المملكة ليس لديها خيار إلا أن تمضي في زيادة الإنفاق خلال العام المقبل ولو نتج عن ذلك اختلال كبير يبن الواردات والمصروفات وذلك لعدد من الأسباب الموضوعية.
وسنستعرض في الفقرات التالية أهم تلك الأسباب التي يأتي في مقدمتها وضع اقتصاد المملكة الجيد واحتياطياتها الأجنبية الكبيرة والتي تمكنها من تجاوز آثار الأزمة العالمية الصعبة في السنوات المقبلة واحتمال انخفاض إيرادات النفط. وبمعنى آخر فالمملكة قادرة على سد أي عجز متوقع للسنة القادمة من احتياطياتها الكبيرة التي ادخرتها خلال الأعوام المنصرمة.
كما أن المملكة قد قلصت بصورة كبيرة ديونها العامة على مدى الأعوام القليلة الماضية تزامناً مع زيادة الإيرادات من صادرات النفط. حيث كان الدين العام 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2006. وتراجع إلى 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2007، ويقدر بأنه أقل بكثير من 19 في المائة لهذا العام 2008، ومما لاشك فيه أن زيادة الإنفاق خلال العام المقبل، كما تشير بيانات الميزانية، ستؤكد متانة الاقتصاد المحلي وقوته، من خلال توافر التمويل اللازم للمشاريع الحكومية من خلال الاستمرار في تنفيذ المشاريع الحكومية في المرحلة المقبلة وعدم تعثرها، مما يبرهن على أن الدولة سارية في مشاريعها التنموية رغم كل الأزمات العالمية في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، وبالتالي سيمكن للمملكة المحافظة على زخم الإنفاق الرأسمالي الحكومي الذي من شأنه المحافظة على استدامة النمو الاقتصادي بشكل عام. وتخفيف أثر الأزمة العالمية على الاقتصاد المحلي واستعادة الثقة بالاقتصاد السعودي بصفة عامة، والمحافظة على زخم الإنفاق الرأسمالي الحكومي الكفيل بالمحافظة على استدامة النمو الاقتصادي بشكل عام واستعادة الثقة في القطاع المالي.بشكل خاص.
يأتي في المقابل أن المؤشرات تدل على استقرار القطاع المالي في المملكة وأن الاقتصاد المحلي جيد بما يمكن من التعامل مع الآثار المحتملة للأزمة المالية العالمية. فالاقتصاد السعودي ينمو بمعدلات جيدة ومخصصات الإنفاق على المشاريع التنموية مستمرة مما يشير إلى المضي قدما في التنمية المحلية وزيادة الإنفاق في الميزانية المقبلة رغم ما تواجهه أسواق المال العالمية من اضطرابات حالياً ومستقبلاً.