رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ميزانية تحد من تأثير الأزمة المالية في اقتصادنا

الاقتصاد السعودي يعد من بين أقل الاقتصادات العالمية تأثرا بأزمة المال العالمية وذلك لثلاثة أسباب. أحدها انغلاق اقتصادنا أمام الأموال الساخنة ما جنبنا تأثير هروب تلك الأموال كما حدث في الأسواق الناشئة الأخرى، والذي نتج عنه شح كبير في السيولة وضغط هائل على الموجودات الأجنبية لتلك البلدان بسبب اضطرارها للتدخل لحماية نظامها المالي والدفاع عن عملتها الوطنية. السبب الآخر هو محدودية تعرض قطاعنا المصرفي للقطاع العقاري المحلي مقارنة ببعض البلدان المجاورة، حيث تسبب ارتفاع حجم التمويل العقاري في تلك البلدان في تغذية مضاربات حادة في القطاع العقاري نتجت عنه فقاعة تسبب انفجارها في تعريض قطاعها المصرفي لمخاطر كبيرة، وهو ما تطلب تدخلاً حكومياً لإنقاذها من الإفلاس ودعم موقفها المالي، وهو وضع لا نعاني منه في المملكة، فتأخر إقرار نظام الرهن العقاري حد من تورط البنوك في هذا القطاع، من ثم لم يكن للائتمان العقاري دور كبير في تضخم أسعار العقارات في المملكة.
إلا أن أهم أسباب محدودية تأثرنا بهذه الأزمة هو دون أدنى شك توقيتها الملائم جداً بالنسبة لنا. فكون هذه الأزمة قد جاءت بعد عدة سنوات شهدت خلالها أسعار النفط ارتفاعاً متواصلاً استطاعت الدولة نتيجة له أن تسدد دينها العام وتبني فوائض مالية كبيرة، فقد أصبحت المملكة قادرة على تجاوز أهم تأثير سلبي لهذه الأزمة في اقتصادنا وهو انعكاس تراجع أسعار النفط الخام على إيراداتنا النفطية. فضخامة احتياطياتنا المالية يعني أننا لسنا مضطرين لتخفيض الإنفاق الحكومي بما يتناسب مع مستويات إيراداتنا النفطية الحالية، وأصبح بإمكاننا المحافظة على مستويات إنفاق عام مرتفعة وتمويل أي عجز في الإيرادات الحالية من خلال استهلاك جزء من فوائضنا المالية، التي يقدر حجمها حالياً بما يزيد على 1.3 تريليون ريال، وهو مبلغ أكثر من كاف لتمويل عجز الإيرادات حتى لو بقيت أسعار النفط متدنية لعدة سنوات، وهو أمر غير متوقع على الإطلاق على أية حال. أيضا ترتب على قوة النشاط الاقتصادي المحلي نتيجة تحسن الأوضاع المالية للدولة خلال السنوات القليلة الماضية نمو كبير في الطلب الائتماني محليا، ما وفر فرصا كبيرة لتوظيف موجودات البنوك السعودية داخل المملكة، الأمر الذي أسهم في تراجع حجم موجوداتها الأجنبية، وبالتالي حد من نطاق تعرضها لأزمة الرهن العقاري الأمريكية.
وحيث قدر الإنفاق الحكومي في ميزانية عام 2009 بنحو 475 مليار ريال، والعادة جرت خلال السنوات القليلة الماضية أن يتجاوز الإنفاق الفعلي الإنفاق المقدر في الميزانية بنحو 17 في المائة، فإن ذلك يعني أن الإنفاق الحكومي الفعلي في عام 2009 قد يصل إلى نحو 556 مليار ريال وهو ما يزيد بنسبة 9 في المائة عن الإنفاق الفعلي في عام 2008 والذي بلغ 510 مليارات ريال. من ثم فإن هذه الميزانية تظهر توجهاً حكوميا بزيادة الإنفاق الحكومي وليس فقط المحافظة على معدلاته الحالية, برغم التراجع الحالي في أسعار النفط الخام، وهو ما يظهر حصافة وحكمة قيادتنا الرشيدة في تعاملها مع أزمة المال العالمية وجهودها الحثيثة للحد من تداعياتها على الاقتصاد السعودي, والتي جعلت اقتصادنا من بين أقل الاقتصادات العالمية تأثراً بهذه الأزمة.
فأفضل استراتيجية مالية يمكن اتباعها للحد من تأثير أزمة المال العالمية في اقتصادنا، هو تجنب مفاقمة هذا التأثير من خلال المحافظة على معدلات إنفاق حكومي مرتفعة. فالإنفاق الحكومي في المملكة هو عصب النشاط الاقتصادي ومحركه الأساس وأي تخفيض في هذا الإنفاق سيعني تلقائيا تراجعاً في نشاط مختلف القطاعات الاقتصادية ما يدخل الاقتصاد السعودي في انكماش حاد سيضر كثيرا باستقرار النشاط الاقتصادي وجاذبية بيئة الاستثمار في المملكة. يضاف إلى ذلك أن تراجع أسعار السلع الأساسية عالميا في ظل حالة الانكماش الاقتصادي عالميا سيسهم في زيادة فاعلية وجدوى الإنفاق الحكومي الاستثماري التي كانت تتراجع مع الارتفاع المستمر والسريع في تكلفة المشاريع الحكومية في ظل ارتفاع تكاليف المواد الأساسية خلال الفترة الماضية، من ثم فهي فرصة مناسبة للتوسع في هذا الإنفاق مع تأثير محدود في معدلات التضخم، خاصة فيما لو تم استقطاب شركات عالمية كبرى للمشاركة في تنفيذ هذه المشاريع، وهذه الشركات ستكون الآن أشد رغبة من أي وقت مضى للحصول على مشاريع في المملكة في ظل حالة الانكماش التي ستسود الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي