ميزانية التريليون ريال

في البداية نحمد الله ونثني عليه على ما رزقنا وعلى كل النعم، ونقول إننا ولأول مرة أصبح لدينا ميزانية التريليون، وهو فضل من الله يوجب الشكر حتى تدوم النعم. فقد بلغت الإيرادات الفعلية للعام المالي 1428/1429هـ، نحو 1.1 تريليون ريال وبنسبة زيادة تزيد على 77 في المائة مقارنة بإيرادات العام المالي 1427/1428 البالغة 621.5 مليار ريال. وبزيادة 175 في المائة عن إيرادات العام المالي 1426/1427هـ التي بلغت 400 مليار ريال. كما أن ذلك وحسب بيان وزارة المالية يشكل زيادة بنسبة 144 في المائة مع ما كان مقدراً في لموازنة العام الحالي. كما سجل الفائض 650 مليار ريال مقارنة بالمصاريف الفعلية. ويمكن ملاحظة أمرين مهمين في هذه الميزانية التريليونية:

أولا: هناك ومنذ نحو أربعة أعوام ضبط واضح وترشيد في المصاريف بشكل منهجي ومبرمج وبإشراف مباشر من قبل خادم الحرمين الشريفين، حيث أصبح ذلك سمة الميزانيات الثلاث الأخيرة عبر حوكمة راشدة. للتدليل على ذلك، تخيلوا لو أن المملكة قامت بما فعلته بعض الدول المجاورة برفع رواتب العاملين في الدولة بنسب عالية وصلت في بعضها إلى 70 في المائة وليس عبر بند بدل غلاء المعيشة والذي أقر على أسس 5 في المائة لمدة ثلاث سنوات فقط، لكان الباب الأول والذي يمثل حتى ميزانية 2007 أكثر من 25 في المائة يفوق الآن 50 في المائة من الميزانية، وهو أمر مرهق ويصعب التعامل معه في السنوات العجاف. وفي مقابل ذلك فإن المملكة وحسب معايير دولية متعددة تعد من أفضل الدول الناشئة في الصرف على التنمية البشرية، ليس من خلال بند الرواتب ولكن من خلال الصرف على إنهاء البنية التحتية لما يحتاج إليه المواطن من صحة وتعليم وبالذات التعليم الجامعي وتهيئة الاقتصاد ليعمل ذاتياً وليس لحكومة تصرف عندما يكون هناك مال وتتوقف عندما لا يكون هناك إيراد أو تقترض! والأهم أننا نستطيع أن نقرأ أن هناك استيعابا من قبل معدي الميزانية بشكل كامل للتحديات المقبلة، وأننا كأمة لن نستطيع المواجهة ما لم نعد العدة اللازمة من خلال رفع مستوى المواطن التعليمي والعلمي والمهني. وأعتقد أن تخصيص 122.1 مليار ريال لقطاع التعليم في سنة واحدة تمثل ما يقارب 24 في المائة منها هو بحد ذاته مؤشر على أننا يجب أن نتفاءل، وإن كان الوصول يحتاج إلى صبر وتعب وإنجاز حقيقي على أرض الواقع. تسعة ملياران لمشروع تطوير التعليم ونحو ستة مليارات لبرنامج الابتعاث والذي لا شك سيثري المجتمع بعد عودة هؤلاء المبتعثين. ويبقي التحدي الأبرز أمام الميزانية إيجاد الوظائف للأعداد الكبيرة التي ستتخرج سنوياً وهو ما يتطلب ديناميكية الاقتصاد وقدرة فائقة على استيعاب التغيرات سواء كانت إيجابية أو سلبية لا سمح الله. ويبقى السؤال عن مدى قدرة الوزارات والهيئات الحكومية على مواكبة هذا الطموح وتوظيف هذا التوجه وبالذات وزارتي التعليم والصحة!!!
ثانياً: التحفظ المبرر في أسعار النفط سابقا ومنذ طفرة أسعار النفط للسنوات الخمس الماضية حيث يشكل النفط 90 في المائة إيرادات الدولة، حيث قدرت إيرادات الدولة من خلال ميزانية 1427/1428هـ بنحو 450 مليار ريال، بينما بلغت الإيرادات الفعلية اليوم 1.1 تريليون ريال وهو ما يعني 650 مليار ريال فوائض ميزانية لعام واحد فقط. كما نلاحظ أنه في العام الماضي كانت هناك أوامر سامية بترحيل 100 مليار ريال للاحتياطي من فوائض تلك السنة، فيما وحسب مقارنة أرقام الدين العام لهذا العام مع العام السابق نجد أنه تم إطفاء نحو 30 مليار ريال فقط لهذا العام . ما يعني أن الدين العام يشكل الآن نحو 13.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للعام 1428/1429هـ. فيما نلاحظ أن هذه السنة لم يتم توضيح ما الخطط الموضوعة للتعامل مع الفائض والذي بلغ 590 مليار ريال وكيف ستوزع؟ ولكن وحسب معرفتنا بالتوجه العام يمكن القول إنه سيتم ترحيلها إلى الاحتياطي العام للدولة. فبمراجعة بيانات 1427/1428هـ والذي حان حينها الفائض بين الإيرادات الفعلية والمصاريف الفعلية يتجاوز 178 مليار ريال نجد أن الفائض تم توزيعه على ثلاثة بنود رئيسة وهي الاحتياطي (100 مليار ريال) و(25 مليار ريال لصندوق التنمية العقارية) والباقي كان لإطفاء جزء من الدين العام.
يبقى القول إن العام المالي 2009 وما بعده لن يكون دون تحديات، ولكن أعتقد أنه بوجود الأدوات اللازمة للتعامل معها وعلى رأسها الفكر الذي يقود إلى تحقيق الأمن العام للمجتمع وعبر برامج التنمية المستدامة لن نشعر كثيراً كسعوديين بهذه التحديات، التي أبرزها تراجع الطلب العالمي الحقيقي على المنتجات البترولية والبتروكيمائية على وجه التحديد والحرب الاقتصادية الشرسة بين دول العالم رغم ما يظهر من محاولات التنسيق! ولكن أيضا علينا أن نعرف أن الاستثمار الصحيح لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين هي في الاستمرار في التنمية البشرية واقتصاديات المعرفة. وهو الأمر الذي يبدأ واضحا في الميزانية من خلال الصرف على التعليم (نسبة 24 في المائة من إجمالي الميزانية) وكذلك الصرف على البحث العلمي والذي كنت أتمنى وأتعشم من خادم الحرمين الشريفين، رائد التعليم أن يرفعها إلى 5 في المائة بدلا 0.5 في المائة حيث إن الخطة الوطنية للعلوم والتقنية تكلف ثمانية مليارات ريال، وهي تمثل 0.5 في المائة من الناتج المحلي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي