رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إني أتعاطف مع بوش

على عكس معظم الرأي العام العالمي وليس العربي فقط، شعرت بتعاطف إنساني بحت وليس سياسيا مع الرئيس الأمريكي المنصرف جورج بوش وهو يواجه ذلك الموقف المهين حين أخذ يراوغ بمرونة يحسده عليها من هو في مثل سنه فردتي حذاء الصحافي العراقي منتظر الزيدي وهما تصوبان عليه الواحدة بعد الأخرى، وأسفت فعلا على أن ينهي رئيس شغل العالم واستثاره على مدى ثماني سنوات مارست فيها إدارته باسمه عنتريات عسكرية بغزو واحتلال بلدان، وسياسية تجبر العالم على مسايرتها على قاعدة "من ليس معنا فهو ضدنا" وفي عاصمة الدولة التي احتلتها قواته في عملية غزو وسطو مسلح ذكرنا بعصور مظلمة سابقة حين كانت تسود فيه القوة الغاشمة على القانون العادل على نمط حياة "الكاو بوي"، وهو يرمي بالحذاء.
قد لا يكون لحادثة الحذاء العراقي الذي صوب نحوه في مؤتمره الصحافي أثر مادي ملموس فيه، إلا أن الأثر المعنوي والنفسي والرمزي لا حدود لها، وأظن أن حادثة الحذاء سيبقي أثرها فيه إلى نهاية عمره، فالضرب أو القذف بالحذاء في العديد من الثقافات رمز للإهانة أكثر منه الإيذاء البدني، فيكفي مثلا أن ترفع حذاءك في وجه شخص حتى يثور غضبا لما يعنيه ذلك من إهانة بالغة، فما بالنا والذي يقذف به هو رئيس من؟ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وفي عقر دار احتلاله أمام ناظري العالم كله.
أعود لمسألة تعاطفي حقا مع الرئيس بوش وهو يقف ويتعرض لذلك الموقف الصعب والمهين، وهذا التعاطف يحتاج مني إلى تبرير وإقناع حتى لا أكون شاذا عن شبه اجماع قد أتهم فيه بأني أخالف لكي أعرف، فالرجل وحسب قناعة شخصية لم يكن أكثر من واجهة ارتكبت باسمه كل الآثام، فقد كان وما زال أشبه ما يكون بحامل الأسفار الذي لا يعرف ماذا يحمل ولا لماذا، فذنبه الذي يمكن أن يحاسب عليه هو أنه قبل أن يكون كذلك، أما من يستحق بل ويستوجب الضرب بما هو أكثر من (الجزم) فعلا فهم عصابة المحافظين الجدد بدءا من تشيني نائب الرئيس ورامسفيلد وزير الدفاع السابق وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية حاليا ومستشارة الأمن القومي سابقا وبقية العصابة ممن أخرج من الإدارة بعد أن فاحت رائحته الكريهة أمثال بول وولترز وبييرل وبولتون، فهؤلاء هم مخططو ومنفذو ما سمي بالحرب على الإرهاب والتي استخدموها كتبرير لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية اليمينية الصهيونية الأشد تطرفا، مستغلين أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) والتي ما زالت تثير الكثير والكثير من الجدل حول حدوثها وفاعلها الحقيقي، فهذه العصابة دفعت بشخص من طراز جورج دبليو بوش يمكن برمجته ليلعب دورا ظاهريا ويتفرغوا هم للقيام بالمهام الأخرى القذرة وجعله من يتلقى اللوم وليس هم، وهذا هو السبب الذي يدفعني للتعاطف معه لأنه ضحية فعلا لعصابة استغلته أبشع استغلال، وهذا لا يعفيه على أية حال من المسؤولية، وإن كنت أرى أن ما حدث له في بغداد كاف ومناسب، أما البقية فمكانهم الطبيعي هو محكمة الجنايات الدولية وليس فقط ضربهم ولو بكل أحذية مليوني عراقي وأفغاني قتلوا على يد القوات الأمريكية الغازية.
الحادثة والتي لم تمثل خطرا على حياة الرئيس بوش، فهي لم تكن محاولة اغتيال مثلا، باتت سببا في تعليقات ساخرة بكل الألوان والأشكال، وهي وإن لم تكن محاولة اغتيال بدني كما قلنا، فإنها في واقع الأمر اغتالت تماما تاريخه كرئيس للولايات المتحدة، وأظن بل أجزم بأنه وبعد عديد من السنوات سيعرف كرئيس سابق بأنه الذي ضرب بالجزم في بغداد، وليس في ذلك تجن عليه، فصحيفة أمريكية علقت على الواقعة بأن هناك مليون أمريكي يتمنون قذف بوش بأحذيتهم، وتجمع عدد من المتظاهرين الأمريكيين أمام البيت الأبيض ومعهم شخص ارتدى قناعا لوجه بوش وأخذوا يقذفونه بالأحذية وهو يترنح في مشهد هزلي ولكنه بالغ الدلالة، فضلا عن آلاف التعليقات والألعاب الإلكترونية والرسوم الكاريكاتورية التي حولت أكبر وأعظم دول العصر وأشدها سطوة إلى مسخرة ليس بعدها مسخرة، وأختم بأظرف ما قيل وهو أن محطة تلفاز عرضت على بوش مليوني دولار سنويا لتقديم برنامج مسابقات أسبوعي يقف فيه خلف طاولة مماثلة لطاولة مؤتمره الصحافي في بغداد، ويتقدم المتسابق ليقذفه بفردتي حذاء فإن أصابه يحصل المتسابق على ألف دولار مقابل كل فردة.. وخذوا على هذا المنوال، وكان الله في عونك يا مستر بوش.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي