المعوقات المحلية لصناعة التأمين السعودية (1)

(المعوق الشرعي لصناعة التأمين)

إذا أردنا أن نحدد المعوقات الداخلية أو المحلية التي تعترض سوق التأمين السعودية فسنجد أنها تتمحور حول جانبين مهمين وهما الجانب الموضوعي المتعلق بالتأمين، وهو بدوره يتضمن مسألتين رئيسيتين وهما مسألة شرعية التأمين ومسألة تدني أو انعدام ثقافة التأمين ومدى انعكاس ذلك على الممارسات السلوكية تجاه التأمين. والجانب الآخر جانب فني يتمثل في الممارسة المهنية للتأمين وما يتطلبه ذلك من توافر معرفة فنية بالتأمين وكذلك توافر كادر بشري وإداري فعال للنهوض بصناعة التأمين المحلية.
وحينما أبدأ حديثي عن مسألة شرعية التأمين فإن أول ما يجب ذكره هو أننا نتفق جميعاً على أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات شديدة الحساسية للمسائل الشرعية المتعلقة بالممارسة الحياتية للفرد فيه، وعلى وجه الخصوص المسائل المتعلقة بالمعاملات المالية، ولذلك فالتأمين وباعتباره أحد ضروب المعاملات المالية فقد نال نصيباً وافراً من الجدل الشرعي في مجتمعنا السعودي سواء بالنسبة للخاصة أو العامة، حيث تتجاذب التأمين بعض الآراء التي يمكن تصنيفها وفقاً لفئات ثلاث: فئة تحرم التأمين على إطلاقه باعتباره ضرباً من ضروب القمار والرهان والغرر الذي يحرم التعامل به شرعاً، وفئة تبيح التأمين على إطلاقه باعتبار أن الأصل في الأشياء الإباحة ولا يوجد دليل على تحريم التأمين، كما أنه لا يمكن قياسه على العقود المعروفة في الشريعة. وفئة تقف في الوسط فهي تقسم التأمين إلى نوعين، نوع محرم شرعاً وهو التأمين التجاري باعتباره ضرباً من ضروب القمار والرهان ومن عقود الغرر وتبيح في المقابل النوع الآخر من التأمين وهو التأمين التعاوني باعتباره مختلفاً عن التأمين التجاري من حيث الممارسة والغاية، وهو ما استقر عليه العمل في المملكة العربية السعودية وفقاً لفتوى هيئة كبار العلماء عام 1397 هـ ووفقاً أيضاً لقرار مجمع الفقه الإسلامي عام 1398هـ. وبغض النظر عن التفصيلات المتعلقة بالجوانب الشرعية وفقاً للتصورات والرؤى والأدلة الشرعية التي يستند إليها أصحاب هذه الاتجاهات الثلاث فإننا نلحظ أن كثيرا من الدراسات الميدانية والتسويقية التي تقوم بها بعض شركات التأمين تشير إلى أهمية المحفز الشرعي لتوسيع نطاق الخدمات والمنتجات التي تقدمها شركات التأمين لعملائها، ولذا فقد لجأ بعض شركات التأمين إلى تكوين هيئات شرعية لها أو لجوء بعض منها لاستصدار فتاوى بشرعية معاملاتها التأمينية. وبالرغم من ذلك فإن قطاعا كبيرا من الجمهور مازال محجماً عن الإقبال على التأمين وخصوصا في قطاع التأمين الاختياري نظراً لعدم وضوح الرؤية الشرعية بالنسبة لكثير من هؤلاء الناس. ولذلك فالبعض يحجم عن التأمين من باب الحذر الشرعي أو من باب عدم حسم مسألة شرعية التأمين أو عدم وضوح معايير وضوابط التأمين التعاوني المباح شرعاً إضافة إلى عدم ثقة قطاع كبير من الجمهور بالالتزام الذي تبديه شركات التأمين بضوابط التأمين التعاوني. وقد ظهر وبقوة أخيراً ما يعرف بالتأمين التكافلي والذي تدعمه شركات تأمين محلية وعالمية باعتباره متوافقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية وفق منظور هذه الشركات، إلا أن الصورة الضبابية التي تكتنف التأمين التكافلي لم تؤدِ إلى القبول المتوقع له رغم أن التأمين التكافلي يتوقع له على المدى البعيد نجاحاً باهراً في المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي