العملة الخليجية الموحدة... بارقة أمل!
تشابه حتى التطابق...تتفرد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الست بمواصفات تجمعها جميعاً، فهي دول ريعية، وهو الفرق بين معدل تكلفة استخراج الوحدة الواحدة من النفط وسعر البيع، من خلال استغلال ثرواتها النفطية ما أدى إلى ارتفاع مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، اقتصادات مفتوحة على العالم الخارجي بشكل كبير، كما أنها ليست متكاملة بشكل رئيس مع الأسواق المالية العالمية كون هذه الأسواق في مرحلة النمو والتطور، ضعف تكامل القطاع النفطي مع بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، يضاف إلى ذلك تجانس البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. دول المجلس تمتلك من الاحتياطيات النفطية المؤكدة ما مقداره 484.3 مليار برميل، ومن الغاز الطبيعي41.4 تريليون متر مكعب.
بناءً على تقرير لاتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي نصف السنوي لعام 2008، ارتفعت معدلات النمو الاسمية للربع الأول لهذا العام، حيث بلغت في المتوسط 27.9 في المائة مقارنة بـ 14.8 في المائة للفترة نفسها لعام2007 . أما المعدلات الحقيقية فقد بلغت 7.5 في المائة مقارنة بـ 7 في المائة لعام2007 . إنتاج النفط لدول المجلس بلغ 18 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2007، والذي شكل نحو 39 في المائة من إجمالي صادرات المجلس والتي بلغت 16 مليون برميل يوميا لدول المجلس مجتمعة. فعلى سبيل المثال وصل إنتاج المملكة من النفط في المتوسط إلى ما يقارب 9.21 مليون برميل من النفط الخام يوميا عام 2007 م، بينما كانت مساهمته في الناتج المحلي بحدود (719170) مليون ريال للعام نفسه بالأسعار الجارية.
يُقدر صندوق النقد الدولي إيرادات النفط لعام 2008بأقل من 600 مليار دولار مقارنة بـ 381 مليار دولار والتي تحققت عام 2007. أما النمو الاقتصادي السنوي فهو بحدود 6.7 في المائة لعام 2007 ومن المتوقع أن يصل معدل النمو إلى أقل من 6 في المائة لعام 2008 بالأسعار الثابتة، لكن واقع الأمر وبعد الأزمة المالية العالمية فمن المؤكد أن تكون التوقعات أقل من هذا بكثير، حيث يُتوقع أن يكون النمو للإمارات العربية بحدود 3.5 في المائة لعام 2009.
السياسة النقدية في دول المجلس مرتبطة بسعر صرف ثابت مع الدولار، باستثناء الكويت، وهذا يؤدي إلى ارتباط سعر الفائدة المحلية بالمطبقة في الولايات المتحدة ما يؤثر على السيولة في دول المجلس والتي بدأت تعاني من شح فيها بعدما كانت تشتكي من زيادتها بسبب الفوائض النفطية، يضاف إلى ذلك ضعف التجارة البينية بين دول المجلس كونها اقتصادات متنافسة.
في قمة مسقط، كانون الأول (ديسمبر) 2001 م اتفق قادة دول المجلس على تحديد وقت لإقامة الاتحاد النقدي بين دولهم بحيث يكون الدولار مثبتاً مشتركا لدول المجلس، بحيث تعمل دول المجلس على تقارب الأداء الاقتصادي فيما بينها حتى يكون هناك استقرار مالي ونقدي، بحيث يتم إطلاق العملة الخليجية الموحدة عام 2010. سيكون هناك بنك مركزي للدول الست مهمته الإدارة السليمة للسياسة النقدية الموحدة وكذلك علاقتها بالسلطة الفنية، مستنين في ذلك بالتجربة التي قام بها الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للبنوك المركزية لكل دولة فستبقى على حالها وستُعنى بتنفيذ سياسة البنك المركزي الموحد. السؤال هنا ما هي أهداف العملة الخليجية الموحدة؟ يمكن إجمال الأهداف في الآتي: شهدت دول مجلس التعاون الخليجية طفرة اقتصادية ضخمة بسبب ارتفاع إيرادات النفط ما ساعد على زيادة النمو الاقتصادي وارتفاع الاحتياطيات النقدية التي صاحبها التضخم، فوجود الإتحاد النقدي سيساعد في تثبيت التوقعات التضخمية ما يجعل البيئة الاقتصادية أكثر مرونة وأكثر جذباً للاستثمار الداخلي والخارجي، يضاف إلى ذلك أن قوة العملة الخليجية الموحدة ستساعد على حركة رؤوس الأموال بين دول المجلس وسهولة التعامل مع الأسواق المالية العالمية، كما أنها قد تساعد الدول المستوردة للنفط على تكوين احتياطيات من هذه العملة لتغطية وارداتها التي قد تكون على شكل أسهم وسندات وليس على شكل أرصدة نقدية. وجود العملة الموحدة سيشكل كيانا اقتصاديا كبيرا وقويا يفرض نفسه على الاقتصادات العالمية مدعوماً بأكثر من 40 في المائة من الاحتياطي العالمي من النفط، وكما أن وجود عملة موحدة سيجعل دول المجلس قوة تفاوضية جماعية أكثر فعالية من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية على أرض المفاوضات. ولعل تعديل الكويت ربط عملتها إلى سلة من العملات وانسحاب عُمان لعدم قدرتها على مقابلة الموعد المتفق عليه لظروفها الاقتصادية وتفاوت التضخم وعدم تطبيق الاتحاد الجمركي الذي عادةً يسبق السوق المشتركة سيؤخر إصدار العملة الموحدة عن موعدها المحدد ما لم توضع حلول جذرية لهذه التناقضات. لكن ما هي معايير الوحدة المتفق عليها؟ هناك مشاكل تواجه العملة الموحدة، ففي تقرير لمركز دبي المالي، أشار إلى أن الاتحاد النقدي يحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية للقطاع المالي بما فيها البنية القانونية والتنظيمية، وتشمل كذلك تطوير أنظمة الدفع وترابط أسواق النقد مع رأس المال وذلك لضمان توحيد أسعار الفائدة والتحويل السريع للأموال عبر دول المجلس، وتشمل المعايير الآتي: نسبة العجز في الموازنة لا يتجاوز 3 في المائة، نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لا يزيد على 60 في المائة، وألا يتجاوز التضخم ما نسبته 2 في المائة.
تعمل دول الخليج العربي على تأكيد الالتزام الذي قطعته على نفسها في مؤتمر الدوحة نيسان (أبريل) الماضي بتوحيد العملات الخليجية بحلول 2010, وإيجاد اتحاد نقدي لدول المجلس، ولعل من أبرز التحديات التي تواجه دول المجلس التطورات الاقتصادية العالمية ومن ضمنها اتفاقية التجارة الحرة كون توجهها إلى الانفتاح على كافة القطاعات ومنها القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية، سياسات تنويع القاعدة الإنتاجية تُشكل قطب الرحى في التنمية الاقتصادية خاصة لمرحلة ما بعد النفط، وكذلك تحدي تشجيع وتحفيز الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز بحكم الميزة النسبية التي تتمتع بها الاقتصادات الخليجية والاستفادة القصوى من مداخيل النفط بحيث يتم توظيفها بطريقة سليمة وبما يخدم التوجهات العُليا لدول المجلس. بتصميم وإرادة القادة يمكن تجاوزها ولو مرحلياً، تقارب معايير الأداء الاقتصادي لكل دولة، الاحتياطي النقدي، الدين العام الذي بدأ في التلاشي نتيجة لتحسن أداء الاقتصادات الخليجية بعد الزيادة في أسعار الخام، وقد يعاود الظهور من جديد بعد الانتكاسات الأخيرة في أسعاره، سعر الفائدة بسبب الارتباط بالدولار، وأخيرا التضخم الذي تعانيه دول المجلس والذي يتفاوت من دولة إلى أخرى. التنسيق الاقتصادي العملي على كافة الصُعد بين دول المجلس أثناء وبعد الأزمة المالية العالمية مطلب استراتيجي وذلك لمواجهة احتمالية أي أزمة مالية في إحدى دوله والمتمثلة في توفير السيولة للقطاعات المصرفية والعقارية فيما بين دوله دون أدنى حاجة للجوء إلى إجراءات فردية مع دولة خارجية، بحيث يكون من أولويات القمة القادمة كتأكيد للاتحاد النقدي.