6 ملفات سياسية و10 تحديات اقتصادية تواجه الرئيس الأمريكي الجديد

لم يكن مفاجئاً أن ينتزع الديموقراطيون الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وأن يسيطروا على الرئاسة الأمريكية بعد ثماني سنوات عجاف عانى فيها الشعب الأمريكي والعالم صعوبات جمة، لكن الأمر المفاجئ حقاً هو وصول رجل من أصول إفريقية إلى كرسي الرئاسة ليصبح أول رئيس أسود يصل إلى قيادة أكبر دولة في العالم .. الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2008م، كان يوم الاحتفال في مدينة شيكاغو في ولاية الينوي، وهو اليوم الذي انتصر فيه باراك أوباما على منافسه جون ماكين، وهو نفس اليوم الذي احتفل فيه العالم بتتويج أوباما .. ربما ليس اهتماما بالشأن الأمريكي، بقدر ما هو احتفالاً بانتهاء عصر بائس تغيرت فيه القيم والأخلاق والمعايير وسادت فيه شريعة الغاب.
باراك حسين أوباما أو كما يحلو للكثيرين من العرب مناداته (أبو حسين) سيدخل البيت الأبيض بصفة رسمية يوم 20 كانون الثاني (يناير) 2009م، ليبدأ مزاولة مهام عمله كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية .. النقطة المهمة في هذه الانتخابات هي أن الناخب الأمريكي قال كلمته وصوت ضد الجمهوريين بعد أن تأثر اقتصادياً وأصبحت جيوبه خالية، وكأن التأريخ يعيد نفسه .. فأثناء الكساد الكبير الذي حدث عام 1929م كان هربرت هوفر الجمهوري هو رئيس الولايات المتحدة، لكن حدوث أكبر أزمة اقتصادية عالمية حتى يومنا هذا جعل الناخبين الأمريكيين يصوتون ضد الجمهوريين وينتخبون فرانكلين روزفلت الديموقراطي، واكتسح يومها الديموقراطيون الانتخابات بفوز ساحق ليس على المستوى الرئاسي فحسب، بل وحتى على مستوى مجلسي الشيوخ والنواب أيضا.
وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض لن يكون نزهة أو فترة استراحة في حياته، بل ستكون بداية حقيقية للمتاعب، فقد ورث أوباما حملا اقتصاديا وسياسيا ثقيلاً جداً .. فعلى المستوى السياسي سيكون أمام أوباما ستة ملفات كبرى تركها بوش مفتوحة، سيعمل أوباما على التعامل معها وفق رؤية صانعي الاستراتيجية الأمريكية الذين استخدموا أسلوب التجربة والخطأ في التعامل مع الكثير منها.
أول هذه الملفات السياسية ستكون حرب العراق وكيفية الخروج منها بأقل الخسائر وبخطة تحفظ ماء الوجه لأن حرب العراق استنزفت الموارد الأمريكية وأغرقت الجيش الأمريكي في مستنقع من الدماء لانهاية له.
ثاني هذه الملفات هو حرب إفغانستان التي لا يبدو أنها ذات نهاية وشيكة لأن حركة طالبان نبتت من جديد كالزرع، فكلما اعتقد الأمريكان أنهم قضوا على الحركة ظهرت من جديد لتضرب وتقصف وتدمر.
أما ثالث هذه الملفات فهو الحرب على الإرهاب، أو الحرب على الأشباح، وهي حرب طويلة وستكون مكلفة حتماً لأنها تتطلب الإنفاق الضخم على الاستخبارات وعلى ما يسمى بالإجراءات أو الضربات الوقائية.
رابع هذه الملفات هو إيران وبرنامجها النووي وكيفية التعامل معه بعد إصرار إيران على المضي قدما فيه دون أي اعتبار لإرادة المجتمع الدولي أو منظمة الطاقة الدولية أو مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.
أما الملف الخامس فهو الملف القديم الجديد ملف السلام في الشرق الأوسط وعدم إحراز أي تقدم فيه طيلة ثماني سنوات أمضاها الرئيس السابق جورج دبليو بوش في الرئاسة.
وآخر هذه الملفات وأهمها هو تحسين سمعة الولايات المتحدة في الخارج، وبناء مصداقيتها من جديد، وتعزيز دورها السياسي كأكبر قوة سياسية في العالم بعد عودة روسيا الجديدة، وقدوم الصين والهند بقوة، وتنامي الدور السياسي للاتحاد الأوروبي، ونشوء قوى خرجت عن عباءة المجتمع الدولي وأعلنت تحديها للهيمنة الأمريكية كإيران وفنزويلا وكوبا .. إعادة سمعة الولايات المتحدة في الخارج وإزالة الكره الذي نشأ لها في مناطق كثيرة من العالم بسبب القتل في العراق وإفغانستان وجوانتانامو واستخدام المعايير المزدوجة في الكثير من القضايا على رأسها القضية الفلسطينية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، سيكون أمام باراك أوباما عشر معضلات أساسية لابد أن يتعامل معها، ولا اشك أن حماس أوباما ومستشاريه الاقتصاديين والظروف العالمية المواتية ستجعل من أوباما بطلاً قوميا سيدخل التاريخ الاقتصادي كما سبق أن فعلها قبله فرانكلين روزفلت الذي أخرج الولايات المتحدة من الكساد الكبير، وكما فعلها بيل كلينتون أيضا وقاد الولايات المتحدة إلى أفضل وأطول فترة نمو اقتصادي في التاريخ الأمريكي.
أول هذه التحديات والصعوبات الاقتصادية ستكون إعادة الثقة للنظام المالي الأمريكي، الذي تأثر بعد إفلاس 23 مؤسسة مالية، منها بنوك استثمارية وتجارية وبنوك توفير، في مقدمتها بيرستيرنز وليمن بروذرز وواشنطن ميوتشول وبنك واشوفيا، وإفلاس أكبر شركة للتأمين على السندات في العالم (شركة أمريكان إنترناشيونال جروب AIG) وتأميم أكبر شركتين للإقراض الإسكاني في الولايات المتحدة هما فاي ماي وفريدى ماك .. كما ستعمل إعادة الثقة على عودة تدفق الأموال في النظام المالي الأمريكي، سواء بين البنوك بعضها البعض أو من البنوك إلى الشركات والأفراد .. وعودة الثقة مرهونة باستمرار ضخ الأموال في النظام المالي الأمريكي من خلال الإيداعات المباشرة في البنوك وشراء الأصول المتعثرة حسب خطة الإنقاذ المالي، ومن خلال امتلاك الأسهم الممتازة في البنوك والشركات الصناعية، والاستمرار في تطبيق السياسات المالية الرامية إلى الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب من جهة، ومن جهة أخرى استمرار السياسة النقدية في تأدية دورها الذي أصبح محدودا بعد انخفاض الفائدة إلى مستويات قياسية اقتربت من الصفر، والتي قد يحل محلها شراء سندات الخزانة الأمريكية لزيادة السيولة في النظام المالي الأمريكي وهو ما أسماه رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بن برنانكي بالإجراءات غير التقليدية.
أما ثاني التحديات الاقتصادية فسيكون إخراج الولايات المتحدة من الركود الاقتصادي الذي ألم بها خلال عام 2008م، وهذا هو الامتحان الصعب الذي سيواجه الرئيس المنتخب باراك أوباما وفريقه الاستشاري بقيادة بول فولكر، حيث تراجع الناتج المحلي للربع الثالث عام 2008م إلى 0.5 في المائة وهو ثاني تراجع فصلى على التوالي، وهو الأكبر منذ ركود 2001م الذي تلى أحداث 11 من أيلول (سبتمبر).
وثالث التحديات الاقتصادية هو ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل وارتفاع حجم البطالة في الولايات المتحدة، فقد خسر الاقتصاد الأمريكي منذ بداية عام 2008م وحتى نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) نحو 1.9 مليون وظيفة، منها 533 ألف وظيفة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) وحده، وبذلك تلغى 1.1 مليون وظيفة كان الاقتصاد الأمريكي قد أضافها خلال عام 2007م . وبلغ معدل البطالة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م نحو 6.7 في المائة وهو أعلى مستوى منذ عام 1993م، أما المسجلون على قوائم إعانات البطالة فقد بلغ عددهم بنهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي 4.43 مليون وهو أعلى مستوى منذ كانون الأول (ديسمبر) عام 1982م (26 عاماً ).
وكان السبب في هذه النسب المرتفعة هو عمليات تسريح الموظفين في قطاع الإنشاءات بسبب تدهور السوق العقارية، وفى القطاع المالي بسبب أزمة الائتمان المالي، وفى قطاع السيارات بسبب الأزمة التي يمر بها، ويتوقع أن تستمر عمليات تسريح الموظفين خلال العام المقبل في قطاعات الإعلام والإعلان والتكنولوجيا والتجزئة.
وبسبب الركود الاقتصادي وانخفاض مبيعات وأرباح الشركات، عمدت كبريات الشركات إلى الإعلان عن تسريح موظفيها، فقد أعلنت شركة داو كيميكال Dow Chemical Co وهي أكبر شركة مصنعة للكيماويات في الولايات المتحدة إلى خفض خمسة آلاف وظيفة أساسية وستة آلاف وظيفة مؤقتة .. كما أعلنت شركة AT&T أكبر شركة للاتصالات في الولايات المتحدة عن خفض 12 ألف وظيفة، وأعلنت سيتى جروب عن خفض 52 ألف وظيفة، وبانك أوف أمريكيا عن خفض نحو 30 ألف وظيفة، إضافة إلى الخفض الكبير في الوظائف من قبل شركات تصنيع السيارات وقطع الغيار.
أما رابع التحديات الاقتصادية فهو إيقاف التدهور في قطاع المنازل، وإعادته للنمو من جديد، حيث يمثل هذا القطاع حسب بعض الإحصائيات ثلث الناتج المحلي الأمريكي، وقد تراجع قطاع العقارات في الولايات المتحدة للعام الرابع على التوالي متأثراً بأزمة الرهن العقاري وأزمة الائتمان المالي وشح السيولة.
مبيعات المنازل الحالية التي تشكل نحو 85 في المائة من مبيعات المنازل الكلية انخفضت 3.1 في المائة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) لتصل إلى معدل سنوي يبلغ نحو خمسة ملايين منزل سنويا، لكن متوسط الأسعار انخفض بمقدار 11.3 في المائة لتصبح قيمة المنزل في المتوسط 183300 دولار مقارنة بالسنة التي قبلها، وهو أكبر معدل انخفاض سنوي منذ أن بدأ القيد في عام 1968م، وأصبحت الأسعار الحالية مقاربة لأسعار آذار (مارس) 2004م .. في حين أن الانخفاض بلغ في بعض المناطق من الولايات المتحدة 44 في المائة تماما كما حدث في سان فرانسيسكو لتعود أسعار المنازل إلى مستويات عام 2000م.
أما مبيعات المنازل الجديدة فقد بلغت في تشرين الأول (أكتوبر) 2008م نحو 433 منزل ويتوقع أن تبلغ 418 ألف منزل في تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي وهو أضعف مستوى منذ كانون الثاني (يناير) 1991م .. كما انخفضت تراخيص البناء لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بمقدار 18.9 في المائة مقارنة بشهر تشرين الأول (أكتوبر)، وانخفضت 47 في المائة مقارنة بشهر تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2007م، لتسجل معدلا سنويا بلغ 625 ألف وحدة، وهو أقل مستوى منذ 1959م .. أما المنازل المحتجزة بسبب عدم سداد الأقساط (foreclosure Houses)، فقد زادت بمقدار 28 في المائة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
وخامس التحديات الاقتصادية هو إخراج الاقتصاد من حالة تراجع الأسعار أو ما يعرف بالـ Deflation وهو تراجع في أسعار السلع والخدمات بسبب ضعف الطلب مما يؤدى إلى التأثير في ربحية الشركات، حيث أظهرت أحدث بيانات أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة تراجعاً حادا في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) بلغ 1.7 في المائة بعد تراجع أسعار الجازولين والمشتقات النفطية الأخرى، مما أدى إلى انخفاض تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) بنسبة هي الأكبر منذ أن بدأ احتساب هذا المؤشر بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا في عام 1947م.
#2#
أما سادس التحديات الاقتصادية فهو إعادة ثقة المستهلكين الأمريكيين الذين فقدوا الثقة بالاقتصاد ليبلغ مؤشر ثقة المستهلكين الأمريكيين في شهر أيلول (أكتوبر) الماضي 38.8 وهو أدنى مستوى منذ 28 سنة، مما تسبب في تدهور إنفاق المستهلكين الذين يشكلون نحو ثلثى الناتج المحلي الأمريكي، حيث انخفض إنفاق المستهلكين الأمريكيين إلى أدنى مستوى منذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001م.
وسابع التحديات الاقتصادية هو تقليص العجز في ميزانية الدولة، حيث بلغ العجز عن السنة المالية المنتهية في 30 أيلول (سبتمبر) 2008م، 455 مليار دولار مقارنة بعجز مقداره 162 مليار دولار عام 2007م، وهو عجز قياسي بكل المقاييس متجاوزا العجز الذي تحقق في عام 2004م ومقداره 413 مليار دولار، وبلغت نسبة العجز في ميزانية هذا العام 3.2 في المائة من الناتج المحلي الأمريكي .. ويتوقع أن يبلغ العجز السنة المقبلة نحو 2 ترليوني دولار أمريكي إذا ما أخذنا في الاعتبار خطة الإنقاذ المالي التي اعتمدها الكونجرس وصادق عليها الرئيس في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ثامن التحديات الاقتصادية هو العجز في الميزان التجاري الذي يقيس الصادرات والواردات للولايات المتحدة، فقد أظهر الميزان التجاري عجزا في شهر تشرين الأول (أكتوبر) بلغ 57.2 مليار دولار وهو الأعلى منذ أكثر من 26 عاماً (1982م)، بعد تراجع الصادرات الأمريكية 2.2 في المائة، والواردات 1.3 في المائة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) إلى أدنى مستوى منذ سبعة أشهر في آذار (مارس) 2008م، ويعزى السبب في تراجع صادرات الولايات المتحدة إلى العالم إلى الأزمة العالمية والركود الاقتصادي الذي يضرب العالم، في حين أن تراجع الواردات سببه انخفاض أسعار منتجات الطاقة وانخفاض الطلب الداخلي بسبب الركود الاقتصادي.
تاسع التحديات الاقتصادية هي الدين العام (Public Debt) الذي وصل مراحل قياسية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، فعند تسلمه للرئاسة في بداية عام 2000م كان الدين الداخلي يقف عند نحو 5.5 تريليون دولار، أو ما يعادل 58 في المائة من الناتج المحلي، وعندما يُسلم الرئيس الحالي جورج بوش مقاليد الرئاسة لخلفه باراك أوباما يتوقع أن يصل الدين العام إلى أكثر من 11 تريليون دولار، أو ما يعادل 79 في المائة من الناتج المحلي، وهو رقم قياسي .. وبذلك يكون نصيب الفرد الأمريكي من الدين العام هو 35 ألف دولار.
أما عاشر التحديات الاقتصادية سيكون إنقاذ صناعة السيارات الأمريكية من الإفلاس، بعد أن انخفضت مبيعات السيارات العالمية بفعل الركود الاقتصادي وانهيار الائتمان المالي، مما فاقم من أوضاعها السيئة أصلا وجعلها تطلب العون من الكونجرس الأمريكي .. الشركات الكبرى الثلاث جنرال موتورز وفورد وكرايسلر أصبحت عاجزة عن تمويل عملياتها بالإقراض بعد أن حصلت على تخفيض تصنيفها الائتماني من قبل موديز وفيتش وستاندرد آند بورز، ولم يبق لها خيار سوى طلب العون من واشنطن أو إعلان إفلاسها.
أذن هي ستة ملفات سياسة وعشرة تحديات اقتصادية ستكون بمثابة الاختبار الحقيقي لقدرة باراك أوباما على إدارة أكبر قوة سياسية واقتصادية في العالم، ويبقى الـ 20 من كانون الثاني (يناير) هو أول يوم في البيت الأبيض لرجل وصل إلى السلطة بمعجزة لم تكن لتتحقق لولا إرادة الله ثم هذه التحديات الجسام التي ستكون كفيلة بوضع اسم أوباما في القائمة الشرفية لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي