تمثال الجنرال
أزيل قبل ثلاثة أيام في إحدى المدن الإسبانية التمثال الأخير للزعيم الإسباني فرانكو، وعملية الإزالة تحمل دلالات رمزية أبرزها أن الإسبان يتطلعون إلى طي صفحة الحكم الشمولي الذي جاء به فرانكو بدعم من الفاشيين والنازيين وما تسبب به من حرب أهلية بعد الإطاحة بالجمهوريين.
فرانكو يعد عند الإسبان الآن، رغم مرارة التاريخ، باني إسبانيا الحديثة، وهو الذي وضع الأسس السياسية والاقتصادية لانطلاقها كدولة صناعية، وفي تجربته في الحكم ثمة دروس أعتقد أن المؤرخين سوف يصفونها أنها إيجابية وعملية وتعكس نضجه السياسي حيث نظر لإسبانيا كدولة يملكها الشعب الإسباني وليس الجيش وجنرالاته.
من إيجابيات فرانكو أنه لم يجعل الجيش يهيمن على البلاد، كما فعل كثير من الأنظمة في العالم الثالث حيث هيمن العسكر على الحياة السياسية والاقتصادية ولم يطوروا أو يعمروا بينما كان المتوقع منهم أن يسلموا الحكم إلى مؤسسات مدنية بعد توفير الظروف المناسبة لها.
في إسبانيا هذا ما فعله فرانكو، فقد وجد أن أفضل ضمانة لمستقبل البلاد هو في إعادة الملكية، ولم يعد الملك ويسلمه السلطة ويتركه، بل أعده سياسياً وهيأ له الظروف المناسبة دستوريا وسياسياً ليكون في سدة الحكم.
وحتى في الحصار الكبير الذي ضرب على إسبانيا من قبل الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، طفق فرانكو في استثمار الحصار لبناء الاقتصاد معتمداً على القدرات الذاتية، فاتجه إلى قطاع السياحة، فبنى السواحل الإسبانية وحولها إلى مدن جاذبة للسياح من جميع أنحاء العالم.
لقد أزيل التمثال للجنرال فرانشيسكو فرانكو بهدوء من ساحة بلدية مدينة سانتاندر، في شمال إسبانيا، في إطار إزالة كل مظاهر حقبة الجنرال، وأزيل بهدوء ولم يركل بالأقدام أو يضرب بالجزم، ويبدو أن هذا مؤشر تقدير وعرفان صامت لما قدمه الجنرال لبلاده، وليت أغلب جنرالات العالم الثالث الذين استولوا على السلطة استغلوا (دكتاتوريتهم) للبناء ونشر مقومات السلام الاجتماعي لشعوبهم.