رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وداعا جاكرتا

غطت أخبار الخفض القياسي الذي أعلنته منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" وعدم الاستجابة الفورية للسوق على خطوة انسحاب إندونيسيا من عضوية المنظمة. الخطوة ليست جديدة وهي معلنة من قبل ستة أشهر، وجاء اجتماع وهران ليضع خاتمة لمشاركة إندونيسيا في نشاط المنظمة المستمر منذ 46 عاما. فإندونيسيا من أوائل الدول التي انضمت إلى "أوبك" وبعد عامين فقط من تأسيس المنظمة. لكن خروجها يعكس حقيقة أنها لم تعد دولة مصدرة للنفط بدليل أنها في السنوات الأخيرة كانت تنتج أقل من الحصة المخصصة لها رغم أن السوق كان مواتيا للدول الأعضاء أن تضخ كميات أكثر للسوق وبالتالي تعزز من عائداتها المالية.
وإندونيسيا ليست الدولة الأولى التي تنسحب من "أوبك"، فقد سبقتها إلى ذلك كل من الجابون والإكوادور، ولسبب مختلف أنهما منتجان صغيران وجدا وقتها أن تكلفة الاحتفاظ بعضوية نادي الدول المصدرة للنفط فوق طاقتهما، ولو أن الأكوادور استعادت عضويتها هذا العام وذلك في إطار المناخات السياسية النشطة التي تسود في أمريكا اللاتينية هذه الأيام.
على أن لخروج إندونيسيا بعدا آخر، يتمثل في أنه لم يعد لمنطقة جنوب شرق آسيا وجود في المنظمة، وهي حقيقة تعكس من ناحية حالة المجاعة النفطية التي تعيشها تلك المنطقة رغم إنها تمثل المنطقة الرئيسة الواعدة فيما يتعلق بالطلب على النفط لكن ليس فيها منتج قادر على تلبية احتياجاته الخاصة والتصدير إلى الجيران.
ومع أن الدول الأعضاء لا تمثل مناطق جغرافية معينة بهمومها واهتماماتها التي تتحرك في مسارب أخرى يحكمها الواقع التجاري والسياسي والمناخ العام للعلاقة بين دولة معينة مصدرة وأخرى مستوردة، إلا أن وجود إندونيسيا كان يسهم في تعزيز الصفة الدولية للمنظمة التي تضم أشتاتا من مختلف بقاع العالم.
على أن إندونيسيا ستظل حاضرة في سجل المنظمة ليس فقط من خلال ممثلها الأسبق في "أوبك" الدكتور سوبروتو، الذي أصبح أول وزير يتولى الأمانة العامة للمنظمة، وإنما من خلال ما عرف بإعلان جاكرتا في خواتيم عام 1997 عندما قررت المنظمة وفي إطار استراتيجيتها وقتها الهادفة إلى زيادة حصتها في السوق رفع السقف الإنتاجي بنسبة 10 في المائة ودون قراءة للأزمة المالية الآسيوية التي بدأت إرهاصاتها وقتها.
ذلك القرار دفع إلى هبوط درامي لسعر البرميل إلى نحو عشرة دولارات وفرض على "أوبك" العودة إلى استراتيجية خفض الإنتاج لدعم الأسعار.
قرار المنظمة الأخير في وهران يضعها في محك مثل الموقف الذي كانت فيه قبل أكثر من عقد من الزمان عندما اتخذت قرار جاكرتا الشهير. فقرار خفض الإنتاج غير المسبوق جاء في إطار أزمة مالية عالمية غير مسبوقة بدورها بدأت تتناسل منها أزمات اقتصادية شملت حتى الاقتصادات الآسيوية التي يؤمل أن تصبح قاطرة النمو الجديد، وهو ما بدأت بوادره في تراجع نسب النمو الاقتصادي في الصين والهند. والأمر كذلك فإن السؤال المطروح إذا كان قرار خفض الإنتاج.
ومن ثم رفع سعر البرميل سيكون عاملا معاكسا لخطط التحفيز الاقتصادي التي ستمثل في النهاية العنصر الرئيس في أحياء الطلب الذي دخل في مرحلة من التراجع السلبي.
والسؤال وجيه ومطروح بشدة، لكنه لا يلغي الجوانب الأخرى من الصورة. فحتى إذا ترك جانبا مصالح الدول المنتجة وحاجتها إلى المداخيل المالية الملائمة، فإن هناك عاملين آخرين لابد من وضعهما في الاعتبار. أولهما حالة التقلب السعري العالية التي ميزت السوق في الآونة الأخيرة، وهي حالة مضرة بالمنتجين كما المستهلكين، تصيب عمليات التخطيط للجانبين بعطب. قرار "أوبك" الأخير محاولة جادة من قبلها على طريق الوصول إلى شيء من الاستقرار السعري. وإحدى الوسائل لذلك تقليص حجم المخزون لدى الدول المستهلكة الذي وصل إلى مرحلة قياسية كي تصبح إمدادات المنظمة هي الأساس في تحركات سعر البرميل.
أما الأمر الآخر والأكثر أهمية، أن سجل الصناعة النفطية عبر تاريخها وخاصة فترة التقلبات الأخيرة عبر العقدين الماضيين توضح بجلاء أن أزمة ارتفاع الأسعار أو انخفاضها إنما تعني في واقع الأمر إعداد المسرح لأزمة أخرى معاكسة وفي وقت قد لا يكون بعيدا. ويذكر أنه في خضم حرب الأسعار التي شهدها عقد الثمانينيات بعثت الولايات المتحدة بنائب الرئيس وقتها جورج بوش لحث الدول المنتجة على وقف تلك الحرب واستهداف سعر معين، وهو ما حدث فعلا في نهاية عام 1986، وبعد أقل من ستة أشهر على اشتعال حرب الأسعار. ولهذا من المهم العمل على رفع الأسعار لتوفير الاستثمارات لتمويل إمدادات الطلب المستقبلية.
يمكن للسوق النفطية ولاعبيها الأساسيين من منتجين ومستهلكين أن يودعوا جاكرتا، العضو السابق في "أوبك"، لكن يبقى التحدي في كيفية التعامل مع جاكرتا الأخرى، أي القراءة المتمعنة في حالة السوق حتى وإن أدت إلى تطورات سلبية على المدى القصير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي