هل تشهد السوق النفطية تكرار تجربة رصيفتها المالية؟
بعد أن وقع الفأس على الرأس في أزمة الرهن العقاري التي تمددت لتشمل مختلف أنواع القروض والائتمان وآخرها فضيحة "وول ستريت" وبطلها بيرنارد مادوف التي تكلفت 50 مليار دولار، بدأ التنقيب عن الإشارات التي صدرت محذرة مما يجري وتم تجاهلها وقتها. ومن بين هذه ما طرحته ثماني شركات بريطانية قبل خمس سنوات مطالبة بالحذر من نوعية الممارسات الائتمانية السائدة والخطر المحدق بها.
وبالقدر نفسه انطلقت تحذيرات من ثماني شركات أخرى، لكن هذه المرة اتخذت لها من الميدان النفطي مجالا، ومحذرة أنه ورغم التخمة الحالية التي تعانيها الأسواق والأسعار، إلا أن العالم مرشح لحدوث أزمة في غضون خمس سنوت قد تصل إلى مرحلة وقف الصادرات وحدوث مجاعة نفطية بالمعنى الحقيقي لا المجازي في الدول المستوردة.
وبما أنه لم يكن متوقعا ولا منتظرا حدوث تدخل من قبل الدولة لتنظيم الأوضاع المالية، إلا أن ما جرى جعل من تدخل الدولة حتى في أعتى النظم الرأسمالية أمرا مقبولا، ويتيح الفرصة للتدخل من قبل الدولة على الساحة النفطية خاصة إذا ارتبط هذا التدخل بقضية التغير المناخي التي تكاد تكون قضية عامة في الدول الغربية المستهلكة.
فالقناعة السائدة أن الاحتياطيات النفطية المؤكدة تبلغ نحو ترليون برميل، هذا إضافة إلى تريليونات أخرى خاصة في مجال النفط المستخرج من الرمال، مما يؤمن إمدادات كافية لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية لعدة عقود من الزمان مقبلة.
لكن مركز القلق ينطلق مما يعرف بمرحلة الذروة، وهي لا تعني فقط وصول الاحتياطيات إلى قمتها، وإنما في أحد وجوهها تعكس الفجوة بين نسبة طاقة التدفق في الحقول المكتشفة وتلك المتعلقة بالحقول القائمة والعاملة وكون نسبة التدفق الجديدة لا تغطي حجم الاستنزاف عبر استغلال الحقول القائمة التي دخلت مرحلة الشيخوخة. وتشير الدراسات التي جمعتها الشركات المشار إليها أن هذه اللحظة قد تأتي في غضون خمس سنوات أو في عام 2013. وهناك مؤشر آخر يتمثل في أن حجم الاستخلاص من نفط الرمال وهو حاليا في حدود 3.5 مليون برميل سنويا يتوقع له أن يتراجع في غضون فترة سبع سنوات إلى مليونين ونصف المليون برميل.
الوضع الحالي الذي يشهد تراجعا كبيرا في الأسعار يشكل عنصر ضغط في اتجاه أبعاد الاستثمارات عن الصناعة النفطية، الأمر الذي سيؤثر في مستقبل الإمدادات ويجعل التركيز على الحقول الموجودة الآن، وهي تعاني تراجعا في الإنتاج، ويضاعف من الوضع القلق أنه لم تتم أي اكتشافات حديثة لحقول جديدة في الآونة الأخيرة، وإنه حتى تلك المكتشفة لا تستمر في الإنتاج لفترة عقد من الزمان. وإذا أضيف إلى هذا زيادة الاستهلاك من قبل الدول المنتجة نفسها، فإن إشارات الإنذار التي تم إطلاقها للتحوط للمستقبل تكتسب أهمية إضافية وضرورة النظر في مختلف البدائل والسيناريوهات كي لا تحدث مفاجأة أخرى مثلما حدث مع أسواق المال، لكن هذه المرة على الساحة النفطية.