الطاقة المتجددة في باطن الأرض.. من يستخرجها؟

الطاقة المتجددة في باطن الأرض.. من يستخرجها؟
الطاقة المتجددة في باطن الأرض.. من يستخرجها؟

النفط والغاز والفحم الحجري جميعها تمثل أشكالا مختلفة لمصادر الطاقة التقليدية المخزونة في باطن الأرض ولكن قد لا يعلم كثيرون أن في باطن الأرض أيضاً مصدراً متجدداً ونظيفاً للطاقة يمكن استخدامه في إنتاج الكهرباء أو التدفئة في المناطق الباردة. يتمثل هذا في حرارة باطن الأرض أو ما يعرف في اللغة الإنجليزية بالـ Geotherm.
عند عمق نحو أربعة آلاف ميل تحت سطح الأرض تصل الحرارة إلى ما يزيد على خمسة آلاف درجه مئوية, لذلك عند الحفر لبضع كيلومترات يمكننا الحصول على مياه ساخنة أو بخار جاف بدرجة حرارة عالية قد تصل 400 درجه مئوية. كما هو متوقع تعد المناطق الواقعة بالقرب من نطاق النشاطات البركانية الأكثر حظاً في توفر حقول الحرارة الأرضية حيث تعمل الصخور على غليان المياه المحيطة بها ومن ثم دفعها نحو سطح الأرض في شكل بخار عالي الحرارة. هذه الظاهرة الطبيعية البسيطة يمكن الاستفادة منها في إنتاج الطاقة عن طريق دفع هذه المياه أو البخار إلى سطح الأرض، حيث يمكن استخدامها في إدارة التوربينات لإنتاج الكهرباء. المياه المتكثفة الناتجة من هذه العملية يمكن أيضاً الاستفادة منها في تدفئه المنازل والمنشآت القريبة أو يمكن إعادة ضخها مره أخرى في باطن الأرض. أهم ما يميز هذه التقنية أنها مصدر نظيف للطاقة لا يصدر عنه أي نوع من التلوث البيئي كما أنها بسيطة من ناحية التشغيل والصيانة.
بالرغم أن أول استخدام للطاقة الحرارية الأرضية في إنتاج الكهرباء تم قبل أكثر من 100 عام في إيطاليا إلا أن استخدامها ظل محدوداً وذلك يعزي لعدة أسباب أهمها:
1) تدنى الكفاءة الإنتاجية للكهرباء التي تصل إلى نصف كفاءة المحطات التقليدية العاملة على الفحم.
2) ارتفاع تكاليف الحفر والإنشاء, فمحطة الكهرباء العاملة على الحرارة الأرضية تكلف نحو أربعة ملايين دولار لكل ميجاوات في مقابل مليوني لمحطة عاملة على الفحم.
3) قلة الأموال المخصصة للبحوث والتطوير في هذا المجال, لذلك لا تزال التقنيات المستخدمة تعود إلى أوائل السبعينيات عند بداية الاهتمام بالطاقات المتجددة.
اليوم ومع تجدد الاهتمام بالطاقات المتجددة بشكل عام, نشطت الشركات ومراكز البحوث في إعادة النظر في مجال الطاقة الحرارية الأرضية. وزارة الطاقة الأمريكية مثلاً بدأت في دراسة ملفاتها القديمة التى تحوي دراسات جيولوجية دقيقه لمواقع المياه الحارة الصالحة للاستخدام في إنتاج الطاقة. جدير بالذكر أن أكبر حقل لإنتاج الكهرباء من الحرارة الأرضية في العالم, بإنتاج يصل إلى 850 ميجاوات من الكهرباء , يقع في شمال مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، حيث يندفع بخار الماء من باطن الأرض بدرجه تقارب 400 درجه مئوية. هناك أيضاً ما يقارب الـ 20 حقلا آخر يعمل على هذه التقنية في المنطقة نفسها. من الطريف أن المكتشفين الأوروبيين الأوائل لهذه المنطقة كانوا يعتقدون أنهم اكتشفوا الباب لجهنم لشدة الحرارة المنبعثة من بعض الشقوق الأرضية فيها ولذلك أصبحت تعرف فيما بعد باسم Gates of hell.
#2#
نتيجة لتفاوت درجات الحرارة في باطن الأرض, والتي بدورها تؤثر في درجات حرارة وضغط المياه الجوية, تتنوع تبعاً لذلك الطريقة المستخدمة لإنتاج الكهرباء عن طريق التوربينات. فهناك محطات توربينية تعمل مباشرة على بخار جاف شديد الحرارة والضغط وأخرى تعمل بصورة غير مباشرة على بخار ماء متوسط الحرارة و الضغط والذي بدوره يستخدم في تبخير سائل آخر يستخدم في إدارة التوربينات. لذلك تعد المسوحات الجوية وصور الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد ذات أهمية خاصة في دراسات الجدوى الخاصة بتقنية طاقة المياه الجوفية, حيث إنها تساعد على دراسة توزيع درجات الحرارة الأرضية وتحديد نوع التوربينات المستخدمة لإنتاج الكهرباء.
بعض العلماء يرون أن الاستثمار في مجال الطاقة الحرارية الأرضية غير ذي جدوى كبيرة, حيث إن التقديرات الحالية تشير إلى أنها قد تغطى 10 في المائة فقط من احتياجاتنا للطاقة. هذا بالطبع صحيح بالنظر إلى الطاقات الهائلة التي من المتوقع الحصول عليها من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى مثل الطاقة الشمسية وطاقه الرياح والكتل الحيوية. ولكن في الوقت نفسه هناك مجموعة ترى أن التنوع في مصادر الطاقة هو الحل الأمثل لمواجهة أزمة الطاقة المستقبلية. هناك أيضاً بعض البلدان بصورة خاصة لديها مقومات جيدة جداً لنجاح هذه التقنية, فالدراسات تشير إلى أن هناك 39 دولة حول العالم بإمكانها إنتاج 100 في المائة من حاجتها الكهربائية من الحرارة الأرضية فقط.
منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لم تشهد أي محاولات جادة في مجال استغلال الطاقة الحرارية الأرضية, وهذا بالطبع يعزى لضعف الموارد في معظم دول المنطقة, ولكن إيران كانت قد بدأت الدراسة والتنقيب منذ أكثر من 30 عاماً, حيث تم تركيز الجهود على المناطق الواقعة في شمال غرب البلاد. إحدى الدراسات التي نشرت في مجلة "الطاقة" المتجددة والمستدامة ضمن عددها الصادر في حزيران ( يونيو) الماضي أشارت إلى أن إيران شرعت فعلاً في تشييد أول محطة كهربائية في منطقة الشرق الأوسط تعمل على البخار الناتج من الحرارة الأرضية بقدرة إنتاجية تبلغ 55 ميجاوات.
على المدى القصير من المؤكد أن مستقبل الطاقة الحرارية الأرضية يتوقف بشكل كبير على أسعار الوقود التقليدي, فاستمرار تدني الأسعار أو بقائها على ما هي عليه الآن يضعها في منافسة غير متكافئة, حالها في ذلك حال بقية الطاقات المتجددة الأخرى, أما على المدى الطويل فمن المؤكد أنها ستلعب دوراً مهماً في تأمين احتياجات الطاقة في بعض المناطق من العالم.

أكاديمي وباحث في مجال الطاقات المتجددة

الأكثر قراءة