جماعات ضغط يمينية تطالب أوباما بإيقاف برنامج "الخزانة" حول التمويل الإسلامي
منذ أن نما إلى علم بعض الجهات اليمينية المتشددة نبأ توجه وزارة الخزانة إلى تعلم ما يعرف بثقافة الاقتصاد الإسلامي، حتى انهالت الضغوط على تلك الوزارة لإجراء وقف فوري للدراسات التي تجريها حول أدوات التمويل الإسلامي وأنظمته, مع اتخاذ إجراءات لحظر تبنيه في مؤسسات المال الأمريكية على نطاق واسع، حيث شهد الشهر الماضي إطلاق تحالف جديد من منظمات السياسة العامة والناشطين في حقوق الإنسان والجماعات الدينية لمعارضة ما يصفونه بـ "تسلل" تعاليم النظام المالي الإسلامي إلى نسيج اقتصادهم.
وعن الرسالة التي توجهها هذه المنظمات لأوباما، يقول فرانك جافني رئيس هذا التحالف، الذي عمل في إدارة الرئيس ريجان في منصب مساعد وزير الدفاع للأمن الدولي: "يحسن به (الرئيس المنتخب) أن يتجنب تمويل المجتمع الأمريكي (العظيم) بأموال منبثقة من عائدات النفط ولكنها "ملوثة"، بالتمويل الإسلامي – على حد تعبيره. وطالب جافني الرئيس الجديد بالوقوف في وجه تصميم إدارة بوش الحالية على تعزيز الأجندة الإسلامية من خلال مشروع "التمويل الإسلامي" الذي أطلقت عليه وزارة الخزانة اسم Islamic Finance 101.
وهو يصف "اعتناق" الإدارة الحالية لبرنامج التمويل الإسلامي على أنه "أول قرار بعيد المدى في السياسة المالية والاقتصادية يرثه الرئيس المنتخب الجديد".
وعبر هذا التحالف فيما مضى عن قلقهم الشديد حول الأثر الذي قد يحدثه نيل كاشكاري داخل أروقة وزارة الخزانة الأمريكية فيما لو اقتنع بفكرة ضخ منظومة التمويل الإسلامي داخل النظام الرأسمالي الأمريكي.
ويعد كاشكاري الذراع اليمنى التي يثق بها وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون التي على أثرها منحه إحدى أصعب المهام في تاريخ وزارة الخزانة وهي رئاسة برنامج الحكومة لإنقاذ المؤسسات المالية الذي أقره الكونجرس وقيمته 700 مليار دولار.
وكانت "الاقتصادية" قد نقلت الشهر الماضي عن مصادر غربية موثوقة أن وزارة الخزانة الأمريكية تنظر "بجدية" إلى أبرز ملامح أعمال الصيرفة الإسلامية، في خطوة يرجى من ورائها معرفة المدى الشرعي الاقتصادي الذي يمكن الاستفادة منه في التصدي للأزمة المالية التي ضربت شرايين الاقتصاد العالمي وحيرت معها الخبراء الاقتصاديين بكافة أطيافهم.
يذكر أن المؤسسات المالية الأمريكية، التي تترنح الآن بفعل الانقباض الائتماني، تنظر بعين جوعى إلى أكثر من تريليون دولار من الأموال النفطية، بما في ذلك السندات الإسلامية، والصناديق المشتركة، ومؤسسات القروض السكنية، وشركات التأمين، وصناديق التحوط، وصناديق الاستثمار العقاري.
وهنا يعلق الكاتب داف ابيرهارت من مجلة "نيوزماكس" الأمريكية " هنا يأتي دور العم سام - الذي يعاني ضائقة مالية شديدة بحيث إنه على استعداد لتناول العلف من أي وعاء أو جُرن - ويا له من جُرن كبير. ويبلغ المعدل السنوي للنمو في سوق المصرفية الإسلامية نحو 15 في المائة، وذلك بفضل الطفرة النفطية".
وتدق بعض عيون الإعلام اليميني المتشدد ناقوس الخطر من أجل تهويل عظم تبني منهاج التمويل الإسلامي لدى الشعب الأمريكي. فقد نشرت صحيفة Investors Business Daily الاقتصادية تقريرا عن التمويل الإسلامي تظهر فيه بعض الجوانب السلبية بحسب رعاة مبدأ الرأسمالية. يقول المقال"معنى ذلك أن هذه الأموال لا تستطيع فرض فائدة أو تحقيق أرباح على شكل فوائد، التي هي حجر الزاوية في الاقتصاد الأمريكي المدفوع بحركة الائتمان. كما أن المستثمرين لا يستطيعون شراء حصص في الشركات والصناعات التي تتعامل بالمواد المحرمة، مثل منتجات اللحوم والمشروبات (إذا كانت هذه الأطعمة أو المشروبات تحتوي على لحم الخنزير أو الكحول)، وشركات الترفيه والإنتاج الفني، وشركات القمار، وشركات التمويل القائم على الفوائد".
ويدعي المقال الذي يأتي ضمن الحملة المنسقة لثني وزارة الخزانة عن تبني مشروع التمويل الإسلامي، "إن أهل "وول ستريت" يقفزون إلى هذه السوق الجديدة ويتناسون المخاطر التي تهدد ليس فقط المبادئ الأساسية وإنما الأمن القومي كذلك. وهم لا يعلمون شيئاً يذكر عن الأحكام الشرعية، ويلجأون إلى المستشارين لخلق منتجات "أخلاقية" لتكون صالحة للبيع. وغاب عن بالهم في خضم هذه الحملة الكبيرة والمبالغات التي تحيط بالأموال الإسلامية أن عليهم "تزكية" أرباحهم من خلال تحويل 3 في المائة منها على الأقل إلى جمعيات خيرية إسلامية، وكثير منها ترسل الأموال سراً إلى الإرهابيين" – حسبما ورد في المقال.
#2#
وينضم الكاتب أليكس أليكسييف إلى بقية الأقلام الإعلامية التي تناهض إدخال ثقافة الاقتصاد الإسلامي إلى أمريكا عبر مقاله الذي ذكر فيه أن المؤسسات الإسلامية "تكاد لا تخفي ابتهاجها باحتمال أن تفتح رئاسة أوباما فرصاً جديدة هائلة للإسلام في أمريكا". ويتابع الكاتب الذي أشرف على إدارة عدد كبير من مشاريع الأبحاث لوزارة الدفاع الأمريكية في السابق، "ولكن في هذه الأثناء فإن الإدارة الأمريكية التي ستنتهي ولايتها قريباً، وعلى نحو هادئ دون ضجة أو لفت نظر، راعت خاطر الإسلاميين وافتتحت باباً آخر لهم لمتابعة هدفهم النهائي وهو فرض الأحكام الشرعية في أمريكا".
وكانت "الاقتصادية" قد نقلت قبل شهر عن أحد المصادر الغربية القريبة من وزارة الخزانة الأمريكية التي عبرت عن استغرابها من الجهود المناوئة التي لا تصب في صالح الاقتصاد الأمريكي. يقول المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسة الموضوع، "في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى أية سيولة يمكنه الحصول عليها، وفي الوقت الذي يصادف أن يتوافر هذا النوع من التمويل في الشرق الأوسط، تفاجأ باتساع رقعة جهود ردم الفجوة الاستثمارية بدل تضيقها".
إلا أن ما يقلق مضاجع هذا الائتلاف اليميني المتشدد هو العقلية الاستثمارية التي يحملها فتى "جولدمان ساكس" السابق كاشكاري ذو الأصول الهندية. وترى المصادر التي تحدثت معها الاقتصادية أن كاشكاري، أحد مهندسين خطة الإنقاذ، يحمل في يده "مفاتيح" إدخال أنظمة التمويل الإسلامي للاقتصاد الأمريكي نظرا لقدرته الحادة على الإقناع ولقربه من صناع القرار الاقتصادي بالرغم من صغر سنه (35 سنة).
ويعد كاشكاري شخصاً موهوباً وعلى درجة عالية من الذكاء. وهو الساعد الأيمن لبولسون، وظله الملازم له في المحافل العامة أثناء الأزمة المالية. وقيل عنه أنه لعب دورا محوريا في عملية البيع السريعة لبنك بير شتيرنز إلى بنك جيه بي مورجان في آذار (مارس) الماضي.
رغم مواهب كاشكاري في عقد الصفقات، إلا أن هناك تساؤلات على نطاق واسع حول ما إذا كان يتمتع بالخبرة أو المهارة اللازمة لإدارة مشروع بهذا الحجم. ومع هذا فلا يزال مصير "فتى الـ 700 مليار دولار" الذي انتهى به المطاف لتولي واحد من أكثر المناصب السياسية حساسية في الولايات المتحدة، غير معروف في ظل إدارة أوباما المقبلة، ولا سيما بعد أن كان أول قرارات الرئيس الأمريكي المنتخب تعيين تيموثي غيثنر وزيرا للخزانة خلفا لبولسون الذي يدين له كاشكاري بالكثير.