هل يواصل العالم إجماعه على إصلاح أسواق المال؟

إذا كنا نحن نتوقع حصيلة إيجابية للأزمة المالية العالمية التي تسببت فيها أسواق المال، فهي بداية التفكير الجاد بمراجعة الآليات والأدوات التي تعمل بها هذه الأسواق، وهذا التوجه مطروح عالميا وهو الأبرز في قضايا الرأي العام العالمي.
القناعة بضرورة المراجعة يعززها الانكشاف المتواصل للهيئات والمؤسسات والشركات والأفراد الذين تسببوا في هذه الأزمة الكبرى ومدى حجم الفساد الذي كان يلف القرارات والأدوات الاستثمارية، وما يكاد يجمع عليه المشرعون والمشتغلون بالفكر الاقتصادي والمالي هو مدى خطورة أسواق المال على إجمالي النشاط الاقتصادي، فما يبنيه العصاميون يدمره المضاربون.
كمثال حي على خطورة أسواق المال نجده في الشركات التي بدأت تتهاوى الآن، مثل شركات صناعة السيارات، والمصارف العريقة، وشركات الاستثمارات المالية الكبرى، هذه الشركات انهارت أو تضعضعت لأن القيادات فيها أصبحت تستمع لأسواق المال وتقييماتها ومغرياتها وحوافزها في الاستحواذ والاندماج، وهو ما حدث في قطاع السيارات الذي طغت فيه الاندماجات بعد منتصف التسعينيات أمام إغراءات أسواق المال، وكانت القيادات في هذه الشركات يعاملون كنجوم هوليوود.
الآن صناعة السيارات في العالم تدفع ضريبة السحر والجاذبية والإغراء التي وفرتها أسواق المال، فالاندماجات أدت إلى عمليات لإعادة الهندسة في تلك الشركات مما قضى على العديد من الإدارات الحيوية، لأن الأكبر كان "خفض النفقات"، وهذه القرارات المالية قطف ثمارها القيادات حيث عكست نتائج إيجابية على المدى القصير، وهو الهدف الأسمى للمستثمرين المضاربين في أسواق المال.
أسواق المال، وبالذات أسواق الأسهم، تحولت إلى أسواق (مقامرة حقيقية)، وهذا الواقع السيئ هو الذي يسحب المقامرين الكبار إلى الخسائر والإفلاس كما خسر وأفلس المضاربون الصغار. وبما أن الجميع يبدو خاسرا في (اللعبة الكبرى) حيث المرارة يتجرعها ملايين البشر حول العالم بعد أن ضاعت مدخراتهم في أسواق المال، ربما تكون هنا البداية الجادة للإصلاحات الجذرية لأسواق الأسهم، وهذا ضروري حتى لا يكون إجمالي النشاط الاقتصادي مرهونا ومعلقا بقرارات المقامرين والمضاربين في أسواق المال.
هذه القضية الأبرز في تداولات الرأي حول العالم لعلها تتواصل حتى تدفع الحكومات إلى أخذ زمام الأمور بشكل جاد، لأن البديل هو الفوضى والاضطراب العالمي، فالحكومات التي سمحت بعولمة الاستثمارات المالية وتركت الأسواق لآلياتها هي المسؤولة عن حماية شعوبها واقتصاداتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي